تجزه اليسار عن اليمين، بل تقطع يمينه حدا لأنها الذي وجب قطعها وهي باقية فلم يجزه غيرها كالقصاص. وما ذكر من أن الجلاد يسئل هو ما جرى عليه الشيخ في التنبيه وابن المقري في روضه وهي طريقة حكاها في أصل الروضة، وحكى معها طريقة أخرى، وهي إن قال المخرج: ظننتها اليمين أو أنها تجزئ أجزأته وإلا فلا، وكلام أصل الروضة يومئ إلى الأولى وهي الصحيحة، وإن صحح الأسنوي الثانية.
باب قاطع الطريق سمى بذلك لامتناع الناس من سلوك الطريق خوفا منه، والأصل فيه قوله تعالى " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا " الآية. قال أكثر العلماء: نزلت في قاطع، لافى الكفار، واحتجوا له بقوله تعالي: إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " الآية، إذ المراد التوبة عن قطع الطريق، ولو كان المراد الكفار لكانت توبتهم بالاسلام وهو دافع للعقوبة قبل القدرة وبعدها قال الماوردي: ولان الله تعالى قد بين حكم أهل الكتاب والمرتدين وأهل الحرب في غيره هذه الآية، فاقتضى أن تكون هذه الآية في غيره، وفى أبى داود أنها نزلت في العرنيين، وفى النسائي أنها نزلت في المحاربين من الكفار، لأن المؤمن لا يحارب الله ورسوله وقطع الطريق هو البروز لاخذ مال أو لقتل أو إرعاب مكابرة اعتمادا على الشوكة مع البعد عن الغوث كما يعلم من قوله (هو) أي قاطع الطريق ملتزم للأحكام (مسلم) أو مرتد أو ذمي كما في السارق، ولو عبر بذلك المصنف لكان أولى، فقد قال الأذرعي: لم أر في الكتب المشهورة بعد الكشف التام التنصيص على أن من شرط قاطع الطريق الاسلام إلا في كلام الرافعي، ومن أخذ منه. وقال الزركشي: قد رأيت نص الشافعي في آخر الام مصرحا بأن أهل الذمة حكمهم حكم المسلمين، وحكاه ابن المنذر في الاشراف عن الشافعي وأبى ثور. قال ولا أثر للتعلق بسبب النزول، فإنه لا يقتضى التخصيص على الأصح (مكلف) ولو عبدا أو امرأة، ومثله السكران فإنه ملحق بالمكلف كما مر في كتاب الطلاق مختار (له شوكة) أي قوة وقدرة يغلب بها غيره.
(تنبيه) إفراد المصنف الصفات يقتضى أنه لا يشترط في قاطع الطريق عدد ولا ذكورة ولا سلاح وهو كذلك فالواحد ولو أنثى إذا كان له، فضل قوة يغلب بها الجماعة وتغرض للنفس وللمال مجاهرة مع البعد عن الغوث كما يعلم من قوله بعد: وفقد الغوص الخ قاطع وكذا الخارج بغير سلاح إن كان له قوة يغلب بها الجماعة ولو باللكز والضرب بجمع الكف وقيل لابد من آلة، وخرج بملتزم الحربي والمعاهد، بو المكلف غيره إلا السكران كما مر، وإن ضمن غير المكلف النفس والمال كما لو أتلفوا في غير هذه الحالة، وبالاختيار المكره، وبالشوكة ما تضمنه قوله: لا مختلسون) قليلون (يتعرضون لاخر قافلة) عظيمة (يعتمدون الهرب) بركض الخيل أو نحوها أو العدو على الاقدام أو نحو ذلك، فليسوا قطاعا لانتفاء الشوكة، وحكمهم في القصاص والضمان كغيرهم، والمعنى فيه أن المعتمد على الشوكة ليس له دافع من الرفقة فغلظت عقوبته ردعا له، بخلاف المختلس أو المتهب فإنه لا يرجع إلى قوة.
(تنبيه) قوله: لاخر قافلة جرى على الغالب وليس بقيد: بل حكم التعرض لأولها وجوانبها كذلك، فلو قهروهم ولو مع كونهم قليلين فقطاع لاعتمادهم على الشوكة، فلا يعد أهل العاقلة مقصرين، لأن العاقلة لا تجتمع كلمتهم ولا يضبطهم مطاع ولا عزم لهم على القتال، وبين المصنف هنا أن مراده بشوكة قطاع الطريق بالنظر لمن يخرجون عليه حيث قال (والذين يغلبون شرذمة) وهي بذال معجمة: طائفة من الناس (بقوتهم) لو قاوموهم (قطاع في حقهم) لاعتمادهم على الشوكة بالنسبة إلى الجماعة اليسيرة، وإن هربوا منهم وتركوا الأموال لعلهم بعجز أنفسهم