فيه إن اقتص منه، أو أقيم عليه حد. ولو استوفى المشهود له بشهادة اثنين مالا ثم وهبه للخصم، أو شهدا بإقالة من عقد وحكم بها ثم رجعا فلا غرم عليهما، لأن الغارم عاد إليه ما غرمه. ولو لم يقل الشاهد إن رجعنا ولكن قامت بينة برجوعهما لم يغرما شيئا، قال الماوردي: لأن الحق باق على المشهود عليه.
كتاب الدعوى هي لغة: الطلب والتمني، ومنه قوله تعالى: * (ولهم ما يدعون) * وألفها للتأنيث، وتجمع على دعاوى بفتح الواو وكسرها، قيل: سميت دعوى لأن المدعي يدعو صاحبه إلى مجلس الحكم ليخرج من دعواه. وشرعا: إخبار عن وجوب حق على غيره عند حاكم. (والبينات) جمع بينة وهم الشهود، سموا بذلك لأن بهم يتبين الحق. وأفرد المصنف الدعوى وجمع البينات لأن حقيقة الدعوى واحدة والبينات مختلفة، والأصل في ذلك قوله تعالى: * (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون) *، وأخبار كخبر مسلم: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه. وروى البيهقي بإسناد حسن: ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، والمعنى فيه أن جانب المدعي ضعيف لدعواه خلاف الأصل فكلف الحجة القوية، وجانب المنكر قوي فاكتفي منه بالحجة الضعيفة. وإنما كانت البينة قوية واليمين ضعيفة لأن الحالف متهم في يمينه بالكذب لأنه يدفع بها عن نفسه بخلاف الشاهد. ولما كانت الخصومات تدور على خمسة: الدعوى والجواب واليمين والنكول والبينة ذكرها المصنف كذلك وبدأ منها بالأولى، فقال: (تشترط الدعوى عند قاض في عقوبة كقصاص) حد (قذف) فلا يستقل صاحبها باستيفائها لعظم خطرها والاحتياط في إثباتها واستيفائها، فلو خالف واستوفى بدون ذلك وقع الموقع في القصاص دون حد القذف كما سبق للمصنف في بابه، نعم قال الماوردي: من وجب له تعزير أو حد قذف وكان في بادية بعيدة عن السلطان كان له استيفاؤه، وقال ابن عبد السلام في قواعده: لو انفرد بحيث لا يرى ينبغي أن لا يمنع من القود، لا سيما إذا عجز عن إثباته.
تنبيه: قوله: عند قاض قد يفهم أنها لا تصح عند غيره، وليس مرادا، بل السيد يسمع الدعوى على رقيقه وإن لم يكن قاضيا، وكذلك المحكم إذا رضيا بحكمه، وكذا الوزير والأمير ونحوهما بناء على صحة الشهادة عندهما كما مر في بابها. وتقييده بالعقوبة قد يفهم أنه لا يشترط الدعوى عند القاضي في غيرها، وليس مرادا، بل لا بد في كل مجتهد فيه كعيوب النكاح والعنة والفسخ بالاعسار بالنفقة ونحوه عند التنازع والاحتياج إلى الاثبات والحكم فيها من الرفع إلى القاضي والدعوى عنده ما خرج المال عن هذا إلا لأن المستحق قد يستقل بالوصول إلى حقه فلا يحتاج إلى دعوى. ويستثنى من اشتراط الدعوى عند القاضي صورتان: إحداهما قتل من لا وارث له أو قذفه، إذا الحق فيه للمسلمين، فيقتل: بشهادة الحسبة ولا يحتاج إلى دعوى حسبة بل في سماعها خلاف مر. ثانيهما: قتل قاطع الطريق الذي لم يتب قبل القدرة عليه لا يشترط فيه دعوى لأنه لا يتوقف على طلب. وتمثيل بالقصاص والقصد يفهم التصوير بحق الآدمي وأن حدود الله تعالى لا يشترط فيها ذلك، وليس مرادا، بل لا بد فيها من القاضي أيضا مع أنه لا تسمع فيها الدعوى أصلا لأنها ليست حقا للمدعي، ومن له الحق لم يأذن في الطلب بل هو مأمور بالاعراض والدفع ما أمكن. نعم لو قذفه بالزنا وأراد القاذف تحليفه أو تحليف وارثه الطالب أنه لم يزن فإنه يجاب إلى ذلك على الأصح، وقالوا: ولا تسمع دعوى بذلك ويحلف على نفيه إلا في هذه الصورة، قاله الرافعي في باب اللعان. (وإن استحق) شخص (عينا) تحت يد عادية (فله) أو وليه إن لم يكن كاملا كما نص عليه الشافعي (أخذها) مستقلا بالأخذ بلا رفع لقاض وبلا علم من هي تحت يده للضرورة، (إن لم يخف) من أخذها (فتنة) أو ضررا.