عدد الزنيات ثم تداخلت، أو حد واحد فقط، وتجعل الزنيات إذا لم يتخللها حد كحركات زنية واحدة؟ فيه تردد والثاني أقرب كما قاله ابن النقيب، وما في فروع أنب الحداد من أن المرأة إذا ثبت زناها بلعان زوجين أنه يلزمها حدان أنكره الأصحاب، وقالوا إنهما حدان لله تعالي من جنس واحد فتداخلا، وإن جلد للزنا ثم زنى ثانيا قبل التغريب أو جلد له خمسين ثم زنى ثانيا كفاه فيهما جلد مائة وتغريب واحد، ودخل في المائة الخمسون الباقية، وفى التعريب للثاني التغريب الأول، ولو زنى بكرا ثم محصنا قبل أن يجلد دخل التغريب تحت الرجم لئلا تطول المدة مع أن النفس مستوفاة ولان التغريب صفة، فيغتفر فيها مالا يغتفر في غيرها، ولا يدخل الجلد في الرجل كما رجحه ابن المقرى لاختلاف العقوبتين وقيل يدخل لأنهما عقوبة جريمة واحدة، ولو زنى ذمي محصن ثم نقض العهد واسترق ثم إلى ثانيا ففي دخول الجلد في الرجم وجهان أصحهما كما قاله البغوي المنع وإن قال البلقيني الأصح الدخول كالحدين، ويثبت قطع الطريق بإقرار القاطع به لا باليمين المردودة كما مر في كتاب السرقة خلافا لما في الكتاب وبشهادة رجلين لا رجل وامرأتين أو ويمين وأما المال فيثبت بذلك، ويشترط في الشهادة التفصيل، وتعيين قاطع الطريق، ومن قتله أو أخذ ماله كما سبق في الشهادة على السرقة، ولو شهد اثنان من الرفقة على المحارب لغيرهما، ولم يتعرضا لأنفسهما في الشهادة قبلت شهادتهما وليس على القاضي البحث عن كونهما من الرفقة أولا، وإن بحث لم يلزمهما أن يجيبا، فإن قالا نهبونا وأخذوا مالنا أو مال رفقتنا لم يقبلا في حقهما ولا في حق غيرهما للعداوة.
كتاب الأشربة والتعازير، والأشربة جمع شراب بمعنى مشروب، والشريب: المولع بالشراب، والشرب - بفتح الشين وسكون الراء -:
الجماعة يشربون الخمر، وشربه من كبائر المحرمات، بل هي أم الكبائر كما قاله عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما:
والأصل في تحريمها قوله تعالى: * (إنما الخمر والميسر) * الآية، وقال تعالى: * (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم) * وهو الخمر عند الأكثرين، واستشهد له بقول الشاعر:
شربت الاثم حتى ضل عقلي كذاك الاثم يذهب بالعقول وتظافرت الأحاديث على تحريمها، روى أبو داود أن رسول الله (ص) لعن الخمرة وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، وقال صلى الله عليه وسلم: من شربها في الدنيا ولم يتب حرمها الله عليه في الآخرة. وروى مسلم أن النبي (ص) قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن وانعقد الاجماع على تحريمها، ولا التفات إلى قول من حكى عنه إباحتها، وكان المسلمون يشربونها في أول الاسلام فاختلف أصحابنا في أن ذلك كان استصحابا منهم بحكم الجاهلية أو بشرع في إباحتها على وجهين رجح الماوردي الأول، والمصنف الثاني. وكان تحريمها في السنة الثانية من الهجرة بعد أحد، وقيل: بل كان المباح الشرب ولا ما ينتهي إلى السكر المزيل للعقل فإنه حرام في كل ملة، حكاه ابن الشقيري في تفسيره عن القفال الشاشي قال المصنف في شرح مسلم: وهو باطل لا أصل له، والخمر المسكر من عصير العنب وإن لم يقذف بالزبد، واشترط أبو حنيفة أن يقذف، فحينئذ يكون مجمعا عليه.
تنبيه: اختلف أصحابنا في وقوع اسم الخمر على الأنبذة حقيقة، فقال المزني وجماعة بذلك، لأن الاشتراك في الصفة يقتضي الاشتراك في الاسم، وهو قياس في اللغة وهو جائز عند الأكثرين وهو ظاهر الأحاديث، ونسب الرافعي إلى الأكثرين أنه لا يقع عليها إلا مجازا، أما في التحريم والحد فهو كالخمر، لكن لا يكفر مستحلها بخلاف الخمر للاجماع على تحريمها دون تلك، فقد اختلف العلماء في تحريمها، ولم يستحسن الإمام إطلاق القول بتكفير