ما لو شافهه بسماع البينة فقط فلا يقضي بها إذا عاد إلى محل ولايته جزما كما قاله الإمام والغزالي. ولا يتخرج على القضاء بالعلم، وهو قضية كلام الرافعي هنا، والفرق أن قوله في محل ولايته حكمت بكذا يحصل للسامع به علم بالحكم، لأنه صالح للانشاء في تخريجه على القضاء بالعلم، بخلاف سماع الشهادة، فإن الاخبار به لا يحصل علما بوقوعه فتعين أن يسلك به مسلك الشهادة فاختص سماعها بمحل الولاية. (ولو ناداه) وهما كائنان (في طرفي ولايتهما) أي قال قاضي بلد الحاضر وهو في طرف ولايته لقاضي بلد الغائب في طرف ولايته: حكمت بكذا على فلان الذي ببلدك، (أمضاه) أي نفذه لأنه أبلغ من الشهادة والكتابة في الاعتماد عليه. وكذا لو كان في البلد قاضيان وقال أحدهما للآخر: إني حكمت بكذا، فإنه يمضيه إذا أخبره به نائبه في البلد وعكسه. (وإن اقتصر) القاضي الكاتب (على سماع بينة) بلا حكم، (كتب) بها إلى بلد الغائب فيقول في كتابه له: (سمعت بينة على فلان) ابن فلان ويصفه بما يميزه به بكذا وكذا ليتولى المكتوب إليه الحكم عليه. (ويسميها القاضي) الكاتب حتما ويرفع في نسبها (إن لم يعدلها) ليبحث المكتوب إليه عن عدالتها وغيرها حتى يحكم بها، (وإلا) بأن عدلها (فالأصح جواز ترك التسمية) للبينة، ويأخذ القاضي المكتوب إليه اكتفاء بتعديل القاضي الكاتب لها من غير إعادة تعديلها كما قال الرافعي إنه القياس، وصوبه المصنف، كما يستغنى عن تسمية الشهود. والثاني: المنع، لأن الآخر إنما يقضي بقولهم.
تنبيه: لو أقام الخصم بينة بجرح الشهود قدمت على بينة التعديل وللمدعى عليه الاستمهال ثلاثة أيام ليقيم بينة الجرح، وكذا لو قال أبرأني أو قضيت الحق واستمهل لقيام البينة، فلو قال: أمهلوني حتى أذهب إلى بلدهم وأجرحهم فإني لا أتمكن من جرحهم إلا هناك، أو قال: لي بينة هناك دافعة، لم يمهل، بل يؤخذ الحق منه، فإن أثبت جرحا أو دفعا استرد. وجميع ما سبق حيث الحجة شاهدان، فإذا كانت شاهدا ويمينا أو يمينا مردودة وجب بيانها، فقد لا يكون ذلك حجة عند المنهي إليه. (والكتاب) أو الانهاء بدونه (بالحكم يمضي مع قرب المسافة) وبعدها كما في المحرر وغيره لفهمه بطريق الأولى. (و) الكتاب (بسماع البينة) فقط (لا يقبل على الصحيح إلا في مسافة قبول شهادة على شهادة) وهي كما سيأتي ما فوق مسافة العدوي المعتبرة بأنها التي يرجع منها المبكر لموضعه ليلا لا المعتبرة بمسافة القصر على الصحيح. والثاني: يقبل مع قرب المسافة أيضا. وفارق على الأول الانهاء بالحكم لأن الحكم قد تم ولم يبق إلا الاستيفاء بخلاف سماع الحجة، إذ يسهل اختصارها مع القرب والعبرة في المسافة بما بين القاضيين، لا بما بين القاضي المنهي والغريم.
فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها وسماع البينة والحكم بها: إذا (ادعى) عند قاض (عينا غائبة عن البلد) سواء أكانت في محل ولايته أم لا، (يؤمن اشتباهها) بغيرها (كعقار وعبد وفرس معروفات) بالشهرة.
تنبيه: لو عبر كالمحرر والروضة بمعروفين بتغليب العاقل على غيره كان أولى، ولكنه غلب غير العاقل الأكثر على العاقل الأقل. وجواب الشرط المقدر قوله: (سمع) القاضي (ببينته وحكم بها وكتب) بذلك (إلى قاضي بلد المال ليسلمه) أي المدعى به، (للمدعي) بعد ثبوت ذلك عنده كما في نظيره من الدعوى على الغائب. ولا فرق في مسائل الفصل بين حضور المدعى عليه وغيبته، وإنما أدخله المصنف في الباب نظرا لغيبة المحكوم به، ولا بين كون المدعى به في محل ولاية القاضي أو خارجا عنها كما أن قضاءه ينفذ على الخارج عن محل ولايته إذا قامت البينة بنسبه