فتنزع عنه مراعاة لمقصود الحد، ويترك على المرأة ما يسترها، وتشد عليها ثيابها، ويتولى ذلك منها امرأة أو محرم، ويكون بقربها إن تكشفت سترها. وأما الجلد فيتولاه الرجال، لأن الجلد ليس من شأن النساء، والخنثى كالمرأة فيما ذكر، ولكن لا يختص بشد ثيابه المرأة ونحوها، ويحتمل كما قاله شيخنا تعين المحرم ونحوه، وإن كان المحدود من ذوي الهيئات ضرب كما قاله الماوردي في الخلوات، وإلا ففي الملا، ولا يحد ولا يعزر في المسجد لخبر أبي داود وغيره:
لا تقام الحدود في المساجد ولاحتمال أن يتلوث من جراحة تحدث، فإن فعل أجزأه كالصلاة في أرض مغصوبة، كذا قالاه هنا، وقضيته تحريم ذلك وبه جزم البندنيجي، لكن الذي كراه في باب القضاء أنه لا يجرم، بل يكره، ونص عليه في الام، نبه عليه الأسنوي وهو الظاهر (ويوالي الضرب عليه بحيث يحصل زجر وتنكيل) فلا يجوز أن يفرق على الأيام والساعات لعدم الايلام المقصود في الحد، بخلاف ما لو حلف ليضربنه مائة سوط فإنه يبرأ إذا فرقها على الأيام والساعات، لأن مستند الايمان إلى الاسم، وهنا التنكيل والزجر ولم يحصل، ولو جلد للزنا خمسين ولاء وفي غده كذلك أجزأ.
تنبيه: لم يضبط التفريق الجائز وغيره. قال الإمام: إن لم يحصل في كل دفعة ألم له وقع كسوط أو سوطين في كل يوم فهذا ليس بحد، وإن آلم وأثر بما له وقع، فإن لم يتخلل زمن يزول فيه الألم الأولى كفى، وإن تخلل لم يكف على الأصح، ثم عقب المصنف رحمه الله تعالى الجنايات السبع الموجبة للحد بالتعزير، وترجم له بفصل فقال:
فصل: في التعزير، وهو لغة: التأديب. وأصله من العزر، وهو المنع، ومنه قوله تعالى * (وتعزروه) * أي تدفعوا العدو عنه وتمنعوه، ويخالف الحد من ثلاثة أوجه. أحدها: أنه يختلف باختلاف الناس، فتعزير ذوي الهيئات أخف ويستوون في الحد. والثاني تجوز الشفاعة فيه والعفو بل يستحبان. والثالث التألق به مضمون في الأصح خلافا لأبي حنيفة ومالك. وشرعا: لتأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة كما نبه على ذلك بقوله: (يعزر في كل معصية لا حد لها ولا كفارة) سواء أكانت حقا لله تعالى أم لآدمي، وسواء أكانت من مقدمات ما فيه حد كمباشرة أجنبية في غير الفرج، وسرقة ما لا قطع فيه، والسب بما ليس بقذف أم لا كالتزوير وشهادة الزور والضرب بغير حق ونشوز المرأة ومنع الزوج حقها مع القدرة. والأصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى * (واللاتي تخافون نشوزهن) * الآية.
فأباح الضرب عند المخالفة فكان فيه تنبيه على التعزير، وقوله (ص) في سرقة التمر: إذا كان دون نصاب غرم مثله وجلدات نكال رواه أبو داود، والنسائي بمعناه. وروى البيهقي أن عليا رضي الله تعالى عنه سئل عمن قال لرجل: يا فاسق يا خبيث، فقال: يعزر.
تنبيه: اقتضى كلام المصنف ثلاثة أمور. الأمر الأول: تعزير ذي المعصية التي لا حد فيها ولا كفارة، ويستثنى منه مسائل. الأولى: إذا صدر من ولي لله تعالى صغيرة فإنه لا يعزر كما قاله ابن عبد السلام. قال: وقد جهل أكثر الناس فزعموا أن الولاية تسقط بالصغيرة، ويشهد لذلك حديث أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود رواه أبو داود، قال الإمام الشافعي رحمه الله: والمراد بذوي الهيئات الذين لا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة، ولم يعلقه بالأولياء، لأن ذلك لا يطلع عليه. فإن قيل: قد عزر عمر رضي الله تعالى عنه غير واحد من مشاهير الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهم رؤوس الأولياء وسادة الأمة ولم ينكره أحد؟ أجيب بأن ذلك تكرر منه، والكلام هنا في أول زلة زلها مطيع. الثانية: إذا قطع شخص أطراف نفسه. الثالثة إذا وطئ زوجته أو أمته في دبرها فلا يعزر بأول مرة، بل ينهى عن العود، فإن عاد عزر، نص عليه في المختصر، وصرح به البغوي وغيره. الرابعة: الأصل لا يعزر لحق الفرع كما لا يجد بقذفه. الخامسة: إذا رأى من يزني بزوجته وهو محصن فقتله في تلك الحالة فلا تعزير عليه. وإن اقتات على الإمام لأجل الحمية، حكاه ابن الرفعة عن أبي داود. السادسة: إذا دخل واحد من أهل القرى إلى الحمى الذي حماه