بحبر أو مداد ونحو ذلك ليستدل على صدقهم إن اتفقت كلمتهم وإلا فيقف عن الحكم. وإذا أجابه أحدهم لم يدعه يرجع إلى الباقين حتى يسألهم لئلا يخبرهم بجوابه، فإن امتنعوا من التفصيل ورأي أن يعظهم ويحذرهم عقوبة شهادة الزور وعظهم وحذرهم. فإن أصروا على شهادتهم ولم يفصلوا وجب عليه القضاء إذا وجدت شروطه، ولا عبرة بما يبقى من ريبة. وإنما استحب له ذلك قبل التزكية لا بعدها، لأنه إن اطلع على عورة استغنى عن الاستزكاء والبحث عن حالهم، وإن لم يرتب فيهم ولا توهم غلطهم فلا يفرقهم وإن طلب منه الخصم تفريقهم، لأن فيه غضا منهم.
انتهى. باب القضاء على الغائب عن البلد أو عن المجلس وتوارى أو تعزز، مع ما يذكر معه.
والدعوى على الغائب إما من صاحب الحق أو وكيله كما سيأتي. وبدأ المصنف بالأول فقال: (هو جائز) بشرطه الآتي لعموم الأدلة، ولقول عمر في خطبته: من كان له على الأسيفع - بالفاء المكسورة - مال فليأتنا غدا، فإنا بائعو ماله وقاسموه بين غرمائه وكان غائبا. ولقوله (ص) لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وهو قضاء منه على زوجها، ولو كان فتوى لقال: لك أن تأخذي، أو لا بأس عليك أو نحوه، ولم يقل خذي، لأن المفتى لا يقطع، فلما قطع كان حكما. كذا استدلوا به، وقال المصنف في شرح مسلم: لا يصح الاستدلال به، لأن أبا سفيان كان حاضرا بمكة، فإن الواقعة كانت بمكة لما حضرت هند المبايعة. وذكر الرافعي في النفقات ما يدل على أن ذلك كان استفتاء ، قال ابن شهبة: وهو الذي يظهر، لأنه (ص) لم يحلفها، ولم يقدر المحكوم به لها ولم تجر دعوى على ما شرطوه اه. ويحتمل أن تكون الواقعة وقعت مرتين. وصح عن عمر رضي الله عنه أنه حكم في امرأة المفقود أنها تتربص أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا، وقال ابن حزم: صح عن عثمان القضاء على الغائب. ولا مخالف لهما من الصحابة، ولان البينة مسموعة بالاتفاق على الغائب، فليجب الحكم بها كالبينة المسموعة على الحاضر الساكت. وأيضا فالحكم على الميت والصغير جائز، وهما أعجز عن الدفع من الغائب، ولان في المنع منه إضاعة للحقوق التي ندب الحكام إلى حفظها فإنه لا يعجز الممتنع من الوفاء عن الغيبة. وألحق القاضي حسين بالغائب ما إذا أحضره المجلس فهرب قبل أن يسمع الحاكم البينة أو بعده وقبل الحكم فإنه يحكم عليه قطعا. وإنما يسمع الدعوى ويقضي بها على الغائب (إن) بين المدعي ما المدعي به وقدره ونوعه ووصفه وقال إني طالب بحقي، و (كان) للمدعي (بينة) ولو شاهدا ويمينا فيما يقضي فيه بهما، لأن الدعوى لقصد ثبوت الحق، وطريقه محصورة في إقرار أو يمين مردودة أو بينة، والاولان مفقودان عند غيبة المدعى عليه.
تنبيه: كلامه يوهم جواز الدعوى على الغائب وإن لم يكن عليه بينة، وليس مرادا، فكان الأولى أن يعتبر ذلك في صحة الدعوى كما قدرته في كلامه وإن نازع البلقيني في اشتراط البينة في صحة سماع الدعوى وقال: الدعوى صحيحة بدونه، ولكن لا يحكم القاضي إلا أن يستند قضاؤه إلى الحجة المعتبرة. ولو عبر المصنف بالحجة بدل البينة ليشمل علم القاضي بالواقعة إذا سوغنا الحكم لكان أولى. وقوله: (وادعى المدعي) على الغائب (جحوده) أي الحق المدعى به شرط لصحة الدعوى وسماع البينة على الغائب. ولا يكلف البينة بالجحود بالاتفاق كما حكاه الإمام، ثم استشكله بأنه إن كان يدعي جحوده في الحال فهو محال، لأنه لا يعلم حاله وإن كان يدعي جحوده لما كان حاضرا فالقضاء في الحال لا يرتبط بجحود ماض اه. وقد يجاب بأن الأصل استمرار الجحود.
تنبيه: يقوم مقام الجحود ما في معناه، كما لو اشترى عينا وخرجت مستحقة فادعى الثمن على البائع الغائب فلا