ويعرض على القائف، فإن ألحقه بها لحقها، وكذا زوجها على المذهب المنصوص كما قاله الأسنوي خلافا لما جرى عليه ابن المقري، أو بالرجل لحقه وزوجته. فإن لم يقم واحد منهما بينة، فالأصح كما قال الأسنوي أنه ليس ولد الواحدة منها، ولا يسقط حكم قائف بقول قائف آخر. ولو ألحقه قائف بالأشباه الظاهرة وآخر بالأشباه الخفية كالخلق وتشاكل الأعضاء فالثاني أولى من الأول، لأن فيها زيادة حذق وبصيرة. ولو ألحق القائف التوأمين باثنين بأن ألحق أحدهما بأحدهما والآخر بالآخر بطل قوله حتى يمتحن ويغلب على الظن صدقه فيعمل بقوله، كما لو ألحق الواحد باثنين.
ويبطل أيضا قول قائفين اختلفا في الالحاق حتى يمتحنا ويغلب على الظن صدقهما. ويلغو انتساب بالغ أو توأمين إلى اثنين، فإن رجع أحد التوأمين إلى الآخر قبل، ويؤمر البالغ بالانتساب إلى أحدهما، ومتى أمكن كونه منهما عرض على القائف وإن أنكره الآخر أو أنكراه، لأن للولد حقا في النسب فلا يثبت بالانكار من غيره وينفقان عليه إلى أن يعرض على القائف أو ينتسب ويرجع بالنفقة من لم يلحقه الولد على من لحقه إن أنفق بإذن الحاكم ولم يدع الولد ويقبلان له الوصية التي أوصى له بها في مدة التوقف، لأن أحدهما أبوه، ونفقة الحامل على المطلق فيعطيها لها ويرجع بها على الآخر إن ألحق الولد بالآخر. فإن مات الولد قبل العرض على القائف عرض عليه ميتا، لا إن تغير أو دفن. وإن مات مدعيه عرض على القائف مع أبيه أو أخيه ونحوه من سائر العصبة.
كتاب العتق بمعنى الاعتاق، وهو لغة مأخوذ من قولهم: عتق الفرس إذا سبق، وعتق الفرخ إذا طار واستقل، فكأن العبد إذا فك من الرق خلص واستقل. وشرعا: إزالة الرق عن الآدمي. والأصل في الباب قوله تعالى: * (فك رقبة) * وقوله تعالى: * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) * أي بالاسلام * (وأنعمت عليه) * أي بالعتق كما قاله المفسرون في غير موضع، * فتحرير رقبة) *. وفي الصحيحين: من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى الفرج بالفرج وفي سنن أبي داود أن النبي (ص) قال: من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار. وخصت الرقبة بالذكر في هذين الخبرين لأن ملك السيد الرقيق كالغل في رقبته، فهو محتبس به كما تحبس الدابة بالحبل في عنقها، فإذا أعتقه أطلقه من ذلك الغل الذي كان في رقبته.
فائدة: أعتق النبي (ص) ثلاثا وستين نسمة، وعاش ثلاثا وستين سنة، ونحر بيده في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة، وأعتقت عائشة تسعا وستين وعاشت كذلك، وأعتق أبو بكر كثيرا، وأعتق العباس سبعين، وأعتق عثمان وهو محاصر عشرين، وأعتق حكيم بن حزام مائة مطوقين بالفضة، وأعتق عبد الله بن عمر ألفا، واعتمر ألف عمرة، وحج ستين حجة، وحبس ألف فرس في سبيل الله، وأعتق ذو الكراع الحميري في يوم ثمانية آلاف، وأعتق عبد الرحمن بن عوف ثلاثين ألفا. وروى الحاكم عن سلمة أن النبي (ص) قال: اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسل الجنة رضي الله عنهم وحشرنا معهم آمين. والعتق المنجز من المسلم قربة بالاجماع، أما المعلق ففي الصداق من الرافعي أن التعليق ليس عقد قربة وإنما يقصد به حث أو منع أي أو تحقيق خبر بخلاف التدبير، وكلامه يقتضي أن تعليقه العاري عن قصد ما ذكر كالتدبير وهو كما قال شيخنا ظاهر. وأركانه ثلاثة: معتق وعتيق وصيغة، وقد شرع في الركن الأول فقال: (إنما يصح من) مالك (مطلق التصرف) أهل للتبرع والولاء مختارا من وكيل أولى في كفارة لزمت موليه، فلا يصح من غير مالك بلا إذن ولا من غير مطلق التصرف من صبي ومجنون ومحجور عليه بسفه أو فلس، ولا من مبعض ومكاتب ومكره بغير حق. وتصور