قال الزركشي تفقها: إلا إن ثبت أنه أشهده فلا ينقض. واستثنى الشيخان بحثا من الاعذار ما يعم الأصل والفرع كالمطر والوحل الشديد فلا تسمع معه شهادة الفرع. قال الأسنوي أخذا من كلام ابن الرفعة: وهذا باطل، فإن مشاركة غيره له لا تخرجه عن كونه عذرا في حقه، فلو تجشم المشقة وحضر وأدى قبلت شهادته اه. وقد يجاب عن كلامهما بأن المراد من لا تسمع شهادة الفرع منه، أي لا تلزمه، فمن تجشم المشقة منهما وحضر وأدى قبلت، فإن الشيخين لا يمنعان ذلك، وحيث أمكن حمل العبارة على معنى صحيح ولو مع العبد كان أولى من حمله على كونه باطلا خصوصا من عظمت مرتبته في العلم. (و) يشترط (أن يسمي الأصول) وإن كانوا عدولا، ليعرف القاضي عدالتهم ويتمكن الخصم من الجرح إن عرفه.
تنبيه: شمل إطلاق المصنف ما لو كان الأصل قاضيا، كما لو قال: أشهدني قاض من قضاء مصر أو القاضي الذي بها ولم يسمه وليس بها سواه على نفسه في مجلس حكمه. قال الأذرعي: والصواب في وقتنا وجوب تعيين القاضي أيضا لما لا يخفى. (ولا يشترط) في شهادة الأصول (أن يزكيهم الفروع) بل لهم إطلاق الشهادة والقاضي يبحث عن عدالة الأصول، ولا يلزم الفرع أن يتعرض في شهادته لصدق أصله لأنه لا يعرف، بخلاف ما إذا حلف المدعي مع شاهده حيث يتعرض لصدقه لأنه يعرف. (فإن زكوهم) وهم أهل للتعديل غير متهمين، (قبل) ذلك منهم. فإن قيل: لو شهد اثنان في واقعة وزكى أحدهما الآخر فإنه لا يثبت عدالة الثاني، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن تزكية الفروع للأصول من تتمة شهادتهم، ولذلك شرط بعضهم التعرض لها، وهناك قام الشاهد المزكي بأحدى شطري الشهادة فلا يصح قيامه بالثاني. (ولو شهدوا) أي الفروع (على شهادة عدلين أو عدول) يذكرونهم (ولم يسموهم، لم يجز) أي لم يكف لأن القاضي قد يعرف جرحهم لو سموهم، ولأنه يسد باب الجرح على الخصم. فإن قيل: كان ينبغي ذكر هذه المسألة عقب قوله: وأن يسمي الأصول. أجيب بأنه إنما أخرها ليفيد أن تزكية الفروع للأصول وإن جازت فلا بد من تعيينهم بالاسم ولو قدمه لم يكن صريحا في ذلك.
تتمة: لو اجتمع أصل وفرعا أصل آخر قدم عليهما في الشهادة كما لو كان معه ماء لا يكفيه يستعمله ثم يتيمم، قاله صاحب الاستقصاء.
فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم: إذا (رجعوا عن الشهادة) أو توقفوا فيها بعد الأداء و (قبل الحكم امتنع) الحكم بشهادتهم وإن أعادوها، سواء كانت في عقوبة أم في غيرها، لأن الحاكم لا يدري أصدقوا في الأول أو في الثاني فينتفي ظن الصدق. وأيضا فإن كذبهم ثابت لا محالة إما في الشهادة أو الرجوع، ولا يجوز الحكم بشهادة الكذاب، ولا يفسقون برجوعهم إلا إن قالوا تعمدنا شهادة الزور فيفسقون. ولو رجعوا عن شهادتهم في زنا حدوا حد القذف وإن قالوا غلطنا لما فيه من التعبير وكان حقهم التثبت وكما لو رجعوا عنها بعد الحكم. والمراد بالرجوع التصريح به فيقول: رجعت عن شهادتي، فلو قال: أبطلت شهادتي أو فسختها أو رددتها، فهل يكون الحكم كذلك فيما قبله؟ ولو قالوا للحاكم بعد شهادتهم: توقف عن الحكم، ثم قالوا له: احكم فنحن على شهادتنا حكم، لأنه لم يتحقق رجوعهم ولا بطلت أهليتهم. وإن شك فقد زال ولا يحتاج إلى إعادة الشهادة منهم، لأنها صدرت من أهل جازم والتوقف الطارئ قد زال. (أو) رجعوا (بعده) أي الحكم، (وقيل استيفاء مال) في شهادة به أو عقد ولو نكاحا نفذ الحكم به، و (استوفي) المال، لأن القضاء قد تم، وليس هذا ما يسقط بالشبهة حتى يتأثر بالرجوع. وأما الفسوخ فتستمر على إمضائها. (أو) رجعوا بعد الحكم وقبل استيفاء (عقوبة) في شهادة بها، سواء أكانت لله تعالى أم