(يدخل الأقل في الأكثر) فإن كانت دية العقل أكثر كأن أوضحه فذهب عقله دخل فيه أرش الموضحة، وإن كان أرش الجناية أكثر كأن قطع يديه ورجليه فزال عقله دخل فيه دية العقل.
تنبيه: قضية كلامه أنه لو تساويا كأن قطع يديه فزال عقله أنه لا يتأتى القول بالتداخل. وقال البلقيني: إن مقتضى نص الإمام على هذا القول التداخل أيضا (ولو ادعى زواله) أي العقل وأنكر الجاني ونسبه إلى التجانن اختبر في غفلانه (فإن لم ينتظم قوله وفعله في خلواته فله دية بلا يمين) لأن يمينه تثبت جنونه والمجنون لا يحلف. فإن قيل:
يستدل بحلفه على عقله، أجيب بأنه قد يجري انتظام ذلك منه اتفاقا وهذا في الجنون المطبق، أما المتقطع فإنه يحلف في زمن إفاقته، فإن انتظم قوله وفعله وحلف الجاني لاحتمال صدور المنتظم اتفاقا أو جريا على العادة، والاختبار لا يقدر بمدة بل إلى أن يغلب على الظن صدقه أو كذبه، ولا بد في سماع دعوى الزوال كما قال البلقيني من كون الجناية تحتمل زوال العقل وإلا لم تسمع الدعوى ويحمل على الاتفاق كحصول الموت بصعقة خفيفة.
تنبيه: قول المصنف: ولو ادعى زواله الخ ينبغي أن يقرأ مبنيا لما لم يسم فاعله: أي ادعى ذلك من له ولاية الدعوى من ولي أو منصوب حاكم، والشارح قدر بعد ادعى المجني عليه وهو ممنوع وقدره ابن الملقن أيضا، إذ كيف يصح دعوى المجنون، لكن الشارح قال في آخر القولة: واستشكل سماع دعواه لتضمنه لزوال عقله، وأول بأن المراد ادعى وليه، ومنه منصوب الحاكم اه. ولو قدر هذا أولا كان أولى، وظاهره أن كلام المتن يقرأ مبنيا للفاعل ويقدر بما ذكر. الشئ الثاني هو ما ذكره بقوله: (وفي السمع) أي إزالته (دية) لخبر البيهقي: وفي السمع الدية ونقل ابن المنذر فيه الاجماع، ولأنه من أشرف الحواس فكان كالبصر بل هو أشرف منه عند أكثر الفقهاء، لأن به يدرك الفهم ويدرك من الجهات الست، وفي النور والظلمة، ولا يدرك بالبصر إلا من جهة المقابلة وبواسطة من ضياء أو شعاع، وقال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر عليه، لأن السمع لا يدرك به إلا الأصوات، والبصر يدرك الأجسام والألوان والهيئات، فلما كانت تعلقاته أكثر كان أشرف.
تنبيه: لا بد في وجوب الدية من تحقق زواله، فلو قال أهل الخبرة يعود وقدروا له مدة لا يستبعد أن يعيش إليها انتظرت، فإن استبعد ذلك أو لم يقدروا مدة أخذت الدية في الحال، وإن قالوا: لطيفة السمع باقية في مقرها ولكن انسد منفذ السمع والسمع باق وجبت فيه حكومة إن لم يرج فتقه لا دية لبقاء السمع، فإن رجى لم يجب شئ (و) في إزالته (من أذن نصف) من الدية لا لتعدد السمع فإنه واحد، وإنما التعدد في منفذه بخلاف ضوء البصر، إذ تلك اللطيفة متعددة ومحلها الحدقة، بل لأن ضبط نقصانه بالمنفذ أقرب منه بغيره، وهذا ما نص عليه في الام (وقيل قسط النقص) منه من الدية فيعتبر ما نقص من السمع بحالة الكمال على ما سيأتي (ولو أزال أذنيه وسمعه فديتان) لأن محل السمع غير محل القطع فلم يتداخلا كما لو أوضحه فعمي.
فائدة: السمع عند الحكماء قوة أودعها الله في العصب المفروش في الصماخ، وهو بكسر الصاد: خرق الاذن يدرك بها الصوت بطريق وصول الهواء المتكيف بكيفية الصوت إلى الصماخ، وعند أهل السنة أن الوصول المذكور بمشيئة الله تعالى على معنى خلق الله الادراك في النفس عند ذلك الوصول. (ولو ادعى) المجني عليه (زواله) أي السمع من أذنيه وكذبه الجاني (وانزعج للصياح في نوم وغفلة فكاذب) لأن ذلك يدل على التصنع.
تنبيه: مقتضى تعبيره بكاذب أن الجاني لا يحلف وليس مرادا، بل لا بد من تحليفه أن سمعه لباق لاحتمال أن يكون انزعاجه اتفاقا، ولا يختص الانزعاج بالصياح، بل الرعد وطرح شئ له صوت من علو كذلك، ويكرر ذلك من جهات وفي أوقات الخلوات حتى يتحقق زوال السمع بها (وإلا) بأن لم ينزعج بالصياح ونحوه فصادق في دعواه،