قال الزركشي: وسكتوا عن التعلق بذمتها ويشبه القطع به لتعذر التعلق برقبتها، وهذا ممنوع بل الأشبه كما قال شيخنا القطع بالتعلق بذمة السيد لأنه منع بيعها، فلو ماتت عقب الجناية لم يسقط الأرش عن السيد في الأصح بخلاف القن كما قاله الرافعي في كلامه على جناية الموقوف.
تتمة: حكم الموقوف حكم المستولدة لمنع الواقف بيعه بوقفه، والظاهر كما قال شيخنا أن المنذور عتقه كذلك، وأما المكاتب فذكر المصنف جنايته في باب الكتابة.
فصل: في دية (الجنين) الحر المسلم (غرة) لخبر الصحيحين أنه (ص) قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة بترك تنوين غرة على الإضافة البيانية وتنوينها على أن ما بعدها بدل منها، وأصل الغرة البياض في وجه الفرس، ولهذا شرط عمرو بن العلاء أن يكون العبد أبيض والأمة بيضاء، وحكاه الفاكهاني في شرح الرسالة عن ابن عبد البر أيضا ولم يشترط الأكثرون ذلك، وقالوا: النسمة من الرقيق غرة لأنها غرة ما يملك: أي أفضله، وغرة كل شئ خياره، وإنما تجب الغرة فيه (إن انفصل ميتا بجناية) على أمه الحية مؤثرة فيه، سواء أكانت الجناية بالقول كالتهديد والتخويف المفضي إلى سقوط الجنين أم بالفعل كأن يضربها أو يوجرها دواء أو غيره فتلقي جنينا، أم بالترك كأن يمنعها الطعام أو الشراب حتى تلقي الجنين وكانت الأجنة تسقط بذلك، ولو دعتها ضرورة إلى شرب دواء، فينبغي كما قال الزركشي أنها لا تضمن بسببه وليس من الضرورة الصوم ولو في رمضان إذا خشيت منه الاجهاض، فإذا فعلته فأجهضت ضمنته كما قاله الماوردي، ولا ترث منه لأنها قاتلة وسواء كان الجنين ذكرا أم غيره لاطلاق الخبر، لأن ديتهما لو اختلفت لكثر الاختلاف في كونه ذكرا أو غيره فسوى الشارع بينهما كأصل الصاع من التمر يكون بدل اللبن في المصراة، سواء أقل اللبن أم كثر، وسواء كان الجنين تام الأعضاء أم ناقصها ثابت النسب أم لا، لكن لا بد أن يكون معصوما مضمونا على الجاني عند الجناية، وإن لم تكن أمه معصومة أو مضمونة عندها، أما الجنين الرقيق والكافر فذكرهما المصنف آخر الفصل ولا أثر لنحو لطمة خفيفة كما لا تؤثر في الدية ولا لضربة قوية أقامت بعدها بلا ألم، ثم ألقت جنينا نقله في البحر عن النص.
تنبيه: سمي الجنين جنينا لاستتاره ومنه الجن. وقوله: (في حياتها أو موتها) متعلق بانفصل: أي انفصل في حياتها بجناية أو انفصل بعد موتها بجناية في حياتها، ويحتمل أن يكون في حياتها أو موتها متعلق بجناية. فيشمل ما لو ضرب ميتة فألفت جنينا ميتا، وبه صرح القاضي أبو الطيب والروياني فأوجبنا الغرة لأن الأصل بقاء الحياة، وقال البغوي: لا شئ عليه، وبه قال الماوردي وادعى فيه الاجماع ورجحه البلقيني ولم يرجح الشيخان شيئا (وكذا إن ظهر) بعض الجنين (بلا انفصال) من أمه كخروج رأسه ميتا تجب فيه الغرة (في الأصح) لتحقق وجوده، والثاني لا بد من تمام انفصاله لأن ما لم ينفصل كالعضو منها (وإلا) بأن لم يكن معصوما عند الجناية كجنين حربية من حربي، وإن أسلم أحدهما بعد الجناية أو لم يكن مضمونا كأن كان الجاني مالكا للجنين ولامه بأن جنى السيد على أمته الحامل وجنينها من غيره وهو ملك له فعتقت، ثم ألقت الجنين أو كانت أمه ميتة أو لم ينفصل ولا ظهر بالجناية على أمه (فلا) شئ فيه لعدم احترامه في الأولى، وعدم ضمان الجاني في الثانية ولظهور موته بموتها في الثالثة، ولعدم تحقق وجوده في الأخيرتين.
تنبيه: تقييد الجنين بالعصمة أولى من تقييد الام بها لايهام أنه لو جنى على حربية جنينها معصوم حين الجناية لا شئ فيه وليس كذلك، ولو ماتت الام ولم ينفصل الولد ولم يظهر فلا غرة، لأنا لم نتيقن وجود الجنين فلا نوجب شيئا بالشك، وكذا لو كانت المرأة منتفخة البطن فضربها ضارب فزال الانتفاخ أو كانت تجد حركة في بطنها فانقطعت بالضربة لجواز أن يكون ريحا فانفشت وسكن. (أو) انفصل (حيا وبقي) بعد انفصاله (زمانا بلا ألم) فيه