تنبيه: ذكر المصنف من الحواس أربعة وسكت عن اللمس والكلام والعقل. فأما الأول فلانه إن زال بزوال البطش فقد ذكر، وإن لم يزل لم يتحقق زوال اللمس، وإن فرض تخدير ففيه حكومة. وأما الثاني فقال الإمام : لا يبعد إلحاقه بالبصر. وأما الثالث فلا قصاص فيه للاختلاف في محله فقيل: في القلب. وقيل: في الرأس (و) لا يجب القصاص في الأجسام بالسراية فعلى هذا (لو قطع أصبعا) أو أنملة أو نحو ذلك (فتأكل) أو شل (غيرها) كإصبع أو كف أو أوضحه فذهب شعر رأسه (فلا قصاص في المتأكل) والذاهب بالسراية لعدم تحقق العمدية، بل فيه الدية أو الحكومة في مال الجاني لأنه سراية جناية عمد، وإن جعلناها خطأ في سقوط القصاص، ويطالب بدية المتأكل عقب قطع أصبع الجاني، لأنه وإن سرى القطع إلى الكف لم يسقط باقي الدية، فلا معنى لانتظار السراية، بخلاف ما لو سرت الجناية إلى النفس، فاقتص بالجناية لم يطالب في الحال، فلعل جراحة القصاص تسري فيحصل التقاص ويفارق هذا إذهاب البصر ونحوه من المعاني، فإن ذلك لا يباشر بالجناية بخلاف الإصبع ونحوها من الأجسام فيقصد بمحل البصر مثلا نفسه ولا يقصد بالإصبع غيرها مثلا. فلو اقتص في أصبع من خمسة فسرى لغيرها لم تقع السراية قصاصا بل يجب على الجاني للأصابع الأربع أربعة أخماس الدية، ولا حكومة لمنابت الأصابع بل تدخل في ديتها، ولو ضرب يده فتورمت ثم سقطت بعد أيام وجب القصاص كما حكاه الشيخان في الفروع المنثورة قبيل الديات عن البغوي، وخالف ما نحن فيه لأن الجناية على اليد مقصودة فتأخير السقوط لا يمنع القود.
خاتمة: لو اقتص من الجاني عليه خطأ أو شبه عمد ففي كونه مستوفيا خلاف، والأصح أنه مستوف كما جرى عليه شيخنا في شرح الروض وإن جرى صاحب الحاوي ومن تبعه على عكسه، وإن اقتص من قاتل مورثه وهو صبي أو مجنون لم يكن مستوفيا لعدم أهليته للاستيفاء، فإن قيل: لو أتلف وديعته فإنه يكون مستوفيا لحقه فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب بأن الوديعة لو تلفت برئ الوديع، ولو مات للجاني لم يبرأ، وإذا لم يكن مستوفيا فإن الدية تتعلق بتركة الجاني، ويلزمه دية عمد بقتله الجاني لأن عمده عمد، فإن اقتص بإذن الجاني أو تمكينه بأن أخرج إليه طرفه فقطعه فهدر، والطرف كالنفس فيما ذكر.
باب كيفية القصاص بكسر القاف، من القص وهو القطع، وقيل: من قص الأثر: إذا تبعه لأن المقتص يتبع الجاني إلى أن يقتص منه (ومستوفيه والاختلاف) بين الجاني وخصمه (فيه) والعفو عن القصاص والمصالحة عليه، وقد عقد المصنف لكل واحد مما ذكره فصلا غير أنه خالف ترتيب الترجمة لأنه قدم فصل الاختلاف على فصل من يستوفي القصاص.
(لا تقطع يسار) من يد ورجل وأذن وجفن ومنخر (بيمين) لاختلاف المحل والمنفعة، والمقصود من القصاص المساواة، ولا مساواة بينهما.
تنبيه: علم من تمثيله العكس من باب أولى (ولا شفة سفلى بعليا و) لا (عكسه) ولا جفن أعلى بأسفل ولا عكسه لما مر، ولو تراضيا بقطع ذلك لم يقع قصاصا، ولا يجب في المقطوعة بدلا قصاص بل دية، ويسقط قصاص الأولى في الأصح.
تنبيه: قوله: لا تقطع أولى منه لا تؤخذ لشموله للمعاني وفق ء العين ونحوه. (ولا) تقطع (أنملة) بفتح همزتها وضم ميمها في أفصح لغاتها التسع، وهي: فتح الهمزة وضمها وكسرها مع تثليث الميم (بأخرى) ولا سن بأخرى لأنها جوارح مختلفة المنافع والأماكن.