يعني أن الله تعالى يخلق في الشخص إدراك ما ذكر عند استعماله تلك القوة. الشئ الخامس هو ما ذكره في قوله: (وفي) إبطال (الكلام) بجناية على اللسان (الدية) لخبر البيهقي في اللسان الدية إن منع الكلام. وقال ابن أسلم: مضت السنة بذلك ولان اللسان عضو مضمون بالدية فكذا منفعته العظمى كاليد والرجل، وإنما تؤخذ الدية إذا قال أهل الخبرة لا يعود كلامه، قاله في أصل الروضة على ما سبق من الفرق بين أن يقدروا مدة يعيش إليها أولا، فإن أخذت ثم عاد استردت، ولو ادعى زوال نطقه امتحن بأن يروع في أوقات الخلوات وينظر هل يصدر منه ما يعرف به كذبه، فإن لم يظهر شئ حلف المجني عليه كما يحلف الأخرس ووجبت الدية، هذا في إبطال نطقه بكل الحروف (و) أما (في) إبطال (بعض الحروف) فيعتبر (قسطه) من الدية، هذا إذا بقي له كلام منتظم مفهوم وإلا فعليه كمال الدية كما جزم به صاحب الأنوار (و) الحروف (الموزع) أي التي توزع (عليها) الدية (ثمانية وعشرون حرفا في لغة العرب) أي من كانت لغته، بحذف كلمة لا، لأنها لام ألف وهما معدوتان، ففي إبطال نصف الحروف نصف الدية، وفي إبطال حرف منها ربع سبعها، وعدها الماوردي تسعة وعشرين بإثبات كلمة لا. قال الزركشي: وجمهور النحاة عدوها تسعة وعشرين بالألف والهمزة، وأسقط المبرد الهمزة وجعلها ثمانية وعشرين، ومن أطلق هذا العدد على رأي الجمهور فهو إما سهو وإما تسامح في العبارة بإطلاق الألف على أعم من الهمزة والألف الساكنة، وربما وقع في كلام سيبويه جواز إطلاق الألف على الهمزة تجوزا اه. واحترز بلغة العرب عن غيرها، فإن كانت لغته غيرها وزع على حروف لغته وإن كانت أكثر حروفا، وقد انفردت لغة العرب بحرف الضاد فلا يوجد في غيرها، وفي اللغات حروف ليست في لغة العرب كالحرف المتولد بين الجيم والسين. والحروف المذكورة تسمى حروف الهجاء والتهجي التي أولها في العد عادة ألف: أي همزة، با، تا إلى آخر فالباء اسم ومسماه به وهكذا الخ.
تنبيه: حروف اللغات مختلفة، بعضها أحد عشر، وبعضها أحد وثلاثون، فلو تكلم بلغتين وحروف إحداهما أكثر وبطل بالجناية بعض حروف كل منهما فهل يوزع على أكثرهما حروفا أو على أقلهما؟ وجهان: أرجحهما كما قاله البلقيني وغيره الأول، لأن الأصل براءة ذمة الجاني فلا يلزمه إلا اليقين، ولا فرق في توزيع الدية على الحروف بين اللسانية وغيرها كالحروف الحلقية (وقيل لا يوزع على) غير اللسانية من (الشفهية) وهي أربعة: الباء والفاء والواو والميم نسبة للشفة على أصلها في الأصح، وهو شفهة، ولك أن تنسبها على اللفظ فنقول شفي. وقيل: أصل شفة شفوة فحذفت الواو، وعليه قول المحرر الشفوية (و) من (الحلقية) أي المنسوبة للحلق، وهي ستة: الهمزة، والهاء، والعين والحاء المهملتان، والغين والخاء المعجمتان، لأن الجناية على اللسان فتوزع الدية على الحروف الخارجة منه، وهي ما عدا المذكورات، وعلى هذا فيكون الموزع عليه ثمانية عشر، لأن منفعة اللسان النطق بها فتكمل الدية فيها.
وأجاب الأول بأن الحروف وإن كانت مختلفة المخارج الاعتماد في جميعها على اللسان، وبه يستقيم النطق ويكمل.
تنبيه: لو قطع شفتيه فذهبت الميم والباء فهل يجب أرشهما مع دية الشفتين أو لا؟. وجهان: أوجههما كما قاله شيخنا الأول، ويضمن أرش حرف فوتته ضربة أفادته حروفا لم يكن يتمكن من النطق بها ولا ينجبر الفائت بما حدث لأنه نعمة جديدة. وهل يوزع على الحروف وفيها الحروف المفادة أو عليها قبل الجناية؟ قال الإمام: هذا موضع نظر، وقضية كلام الرافعي ترجيح الثاني، وبه صرح صاحب الذخائر (ولو عجز) المجني على لسانه (عن بعضها) أي الحروف (خلقة) كأرت وألثغ، وسبق بيانهما في صلاة الجماعة ولم يكن لغته كذلك (أو بآفة سماوية فدية) كاملة في إبطال كلام كل منهما لأنه ناطق وله كلام مفهوم، إلا أن في نطقه ضعفا، وضعف منفعة العضو لا يقدح في كمال الدية كضعف البطش والبصر، فعلى هذا لو أبطل بالجناية بعض الحروف، فالتوزيع على ما يحسنه لا على جميع الحروف (وقيل قسط) من الدية بالنسبة لجميع الحروف. أما من عجز عن بعضها خلقة وكانت لغته كذلك كالفارسي الذي لا ضاد