فيلزم كلا منهما ما أوجبته جنايته. ولما فرغ مما فيه أرش مقدر من الحر شرع في الجناية التي لا تقدير لأرشها فيه وفي الجناية على الرقيق مترجما لذلك بفصل فقال:
(فصل: تجب الحكومة فيما) أي شئ يوجب مالا ليخرج ما يوجب تعزيرا فقط كقلع سن من ذهب، وقوله:
(لا مقدر فيه) أي من الدية ولم تعرف نسبته من مقدر، فإن عرفت نسبته منه كأن كان بقرب موضحة أو جائفة وجب الأكثر من قسطه وحكومة كما مر. قال ابن قاسم: وقد يقال لا حاجة لهذا القيد فإن مثل هذا لا يسمى حكومة فإنها التي يقدر الحر فيها رقيقا، ويشير إلى ذلك قول المصنف في الفصل في أول باب الديات: والشجاج قبل الموضحة أن عرفت نسبتها منها وجب قسط من أرشها وإلا فحكومة اه. وهذا ظاهر على ما جرى عليه المصنف وإن قلنا بالأصح وهو وجوب الأكثر من قسطه ومن الحكومة فلا بد من هذا القيد فإنه لا بد أن يقدر رقيقا حتى يعرف الأكثر، وسميت حكومة لاستقرار بحكم الحاكم، حتى لو اجتهد غيره في ذلك لم يكن له أثر، وإنما ذكرت الحكومة بعد المقدرات لتأخرها عنها في الرتبة لأنها جزء منها كما سيأتي، والغزالي ذكرها في أول الباب. قال الرافعي: وذكرها هنا أحصن ليتم الكلام على الانتظام، وكذا صنع في الروضة فذكرها هنا (وهي جزء) من الدية (نسبته إلى دية النفس) في الأصح (وقيل) نسبته (إلى عضو الجناية نسبه نقصها) أي الجناية (من قيمته) أي المجني عليه (لو كان رقيقا بصفاته) التي هو عليها، مثاله جرح يده، فيقال: كم قيمة المجني عليه بصفاته التي هو عليها بغير جناية لو كان رقيقا؟ فإذا قيل مائة فيقال: كم قيمته بعد الجناية؟ فإذا قيل تسعون فالتفاوت العشر فيجب عشر دية النفس، وهو عشر من الإبل إذا كان المجني عليه حرا ذكرا مسلما، لأن الجملة مضمونة بالدية فتضمن الاجزاء بجزء منها كما في نظيره من عيب المبيع.
والوجه الثاني أن تنسب إلى عضو الجناية لا إلى دية النفس فيجب عشر دية اليد، وهو خمس من الإبل، فإن كانت الجناية على أصبع وجب بعير، أو على أنملة وجب ثلث بعير في غير الابهام، ويقاس على ذلك ما أشبهه وللحاجة في معرفة الحكومة إلى تقدير الرق قال الأئمة: العبد أصل الحر في الجنايات التي لا يتقدر أرشها، كما أن الحر أصل العبد في الجنايات التي يتقدر أرشها، وتجب الحكومة إبلا كالدية لا نقدا. وأما التقويم فمقتضى كلام المصنف كغيره أنه بالنقد، لكن نص الشافعي على أنه بالإبل فقال في إذهاب العذرة فيقال: لو كانت أمة تساوي خمسين من الإبل كم ينقصها ذهاب العذرة من القيمة، فإن قيل العشر وجب خمس من الإبل، وإن قيل أقل أو أكثر وجب، حكاه البلقيني ثم قال: وهو جار على أصله في الديات أن الإبل اه. والظاهر كما قال شيخنا أن كلا من الامرين جائز، لأنه يوصل إلى الغرض.
تنبيه: محل الخلاف إذا كانت الجناية على عضو له أرش مقدر، فإن كانت على الصدر أو الفخذ أو نحو ذلك مما لا مقدر فيه اعتبرت الحكومة من دية النفس قطعا، وتقدر لحية امرأة أزيلت ففسد منبتها لحية عبد كبير يتزين بها، ومثلها الخنثى، ولو قلع سنا أو قطع أصبعا زائدة ولم ينقص بذلك شئ قدرت زائدة لا أصلية خلفها ويقوم له المجني عليه متصفا بذلك، ثم يقوم مقطوع الزائد فيظهر التفاوت بذلك، لأن الزائدة تشد الوجه ويحصل بها نوع جمال، ويستثنى من اعتبار النسبة لو قطع أنملة لها طرف زائد فيجب فيها مع دية أنملة حكومة يقدرها القاضي باجتهاد، ولا تعتبر النسبة لعدم إمكانها. قال الرافعي: وكان يجوز أن يقوم له الزائدة بلا أصلية ثم يقوم دونها كما فعل في السن الزائدة، أو يعتبر بأصلية كما اعتبرت لحية المرأة بلحية الرجل، ولحيتها كالأعضاء الزائدة، ولحيته كالأعضاء الأصلية.
وأجاب شيخي عن ذلك بأنا لو فعلنا ما ذكر لزاد زيادة تضر بالجاني، لأن أرشها يكثر بذلك. (فإن كانت) أي الحكومة (بطرف) أي لأجله (له) أرش (مقدر) كاليد والرجل (اشترط أن لا تبلغ) تلك الحكومة (مقدره) أي الطرف لئلا تكون الجناية على العضو مع بقائه مضمونة بما يضمن به العضو نفسه فينقص حكومة الأنملة بجرحها