بيعه، والله أعلم) إذ لم ينكره أحد، ولهذا لا يؤخذ عليها خراج. ولان وقفها يفضي إلى حرابها. نعم إن كانت آلتها من أجزاء الأرض الموقوفة لم يجز بيعها كما قاله الأذرعي تفقها، وعليه يحمل ما قاله البلقيني عن النص، وقطع به من أن الموجود من الدور حال الفتح وقف لا يجوز بيعه والثاني المنع كالزارع.
تنبيه: لو رأى الإمام اليوم أن يقف أرض الغنيمة كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه أو عقاراتها أو منقولاتها جاز إن رضي الغانمون بذلك كنظيره فيما مر عن عمر رضي الله تعالى عنه، لا قهرا عليهم، وإن خشي أنها تشغلهم عن الجهاد لأنها ملكهم لكن يقهرهم على الخروج إلى الجهاد بحسب الحاجة، ولا يرد شئ من الغنيمة إلى الكفار إلا برضا الغانمين لأنهم ملكوا أن يتملكوها. (وفتحت مكة صلحا) لا عنوة. لقوله تعالى: * (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الادبار) * الآية يعني أهل مكة، وقوله تعالى: * (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة) * وقوله تعالى: * (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) * إلى قوله: * (وأخرى لم تقدروا عليها) * أي بالقهر، قيل التي عجلها لهم غنائم حنين، والتي لم يقدروا عليها غنائم مكة، ومن قال فتحت عنوة، معناه أنه دخل مستعدا للقتال لو قوتل. قال الغزالي: (فدورها وأرضها المحياة ملك يباع) إذ لم يزل الناس يتبايعونها، ولقوله (ص) لما قال له أسامة بن زيد: يا رسول الله أتنزل غدا بدارك بمكة؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور وكان عقيل ورث أبا طالب، وطلب دور علي وجعفر لأنهما كانا مسلمين، ولا يورث إلا ما كان الميت مالكا له، ومنع أبو حنيفة من بيعها. قال الروياني: ويكره بيعها وإجارتها للخروج من الخلاف ونازعه المصنف في مجموعه، وقال إنه خلاف الأولى لأنه لم يرد فيه نهي مقصود، والأول كما قال الزركشي هو المنصوص، بل اعترض على المصنف فإنه صرح بكراهة بيع المصحف والشطرنج ولم يرد فيهما نهي مقصود.
تنبيه: محل الخلاف بين العلماء في بيع نفس الأرض، أما البناء فهو مملوك يجوز بيعه بلا خلاف أي إذا لم يكن من أجزاء أرضها كما يؤخذ مما مر في بناء السواد، وتعبير المصنف بالفاء يقتضي ترتب كونها ملكا على الصلح وليس مرادا، بل مقتضى الصلح أنها وقف لأنها فئ وهو وقف: إما بنفس حصوله وإما بإيقافه، ومقتضى تعبيره أنها على العنوة لا تباع، وليس مرادا أيضا لأن المفتوح عنوة غنيمة مخمسة، بل الأولى أن يقال كما قاله بعض المتأخرين أنه (ص) أقر الدور بيد أهلها على الملك الذي كانوا عليه ولا نظر في ذلك إلى أنها فتحت صلحا أو عنوة.
تتمة: الصحيح أن مصر فتحت عنوة، وممن نص عليه مالك في المدونة وأبو عبيد والطحاوي وغيرهم، وأن عمر رضي الله تعالى عنه وضع على أراضيهم الخراج، وفي وصية الشافعي في الام ما يقتضى أنها فتحت صلحا، وكان الليث يحدث عن زيد بن حبيب أنها فتحت صلحا. وقيل: فتحت صلحا ثم نكثوا ففتحها عمر رضي الله تعالى عنه ثانيا عنوة، ويمكن حمل الخلاف على هذا، فمن قال فتحت صلحا نظر لأول الامر، ومن قال عنوة نظر لآخر الامر، وأما الشام فنقل الرافعي عن الروياني: أن مدتها فتحت صلحا وأرضها عنوة، ولكن رجع السبكي أن دمشق فتحت عنوة.
فصل: في الأمان، وهو ضد الخوف وأريد به هنا ترك القتل والقتال مع الكفار، وهو من مكايد الحرب ومصالحه والعقود التي تفيدهم إلا من ثلاثة: أمان وجزية وهدنة لأنه إن تعلق بمحصور فالأمان، أو بغير محصور فإن كان إلى غاية فالهدنة وإلا فالجزية وهما مختصان بالإمام بخلاف الأمان. والأصل في الأمان آية * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) * وخبر الصحيحين: ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما - أي نقض عهده - فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين والذمة العهد والأمان والحرمة والحق، وأما الذمة في قولهم:
ثبت المال في ذمته وبرئت ذمته فلها معنى آخر مر بيانه في البيع. (يصح) ولا يجب (من كل مسلم مكلف مختار)