الشاهدين، فإن حلف مع شاهد القتل فالدية على العاقلة أو مع شاهد الاقرار فعلى الجاني، وإن ادعى عليه عمدا فشهد أحدهما بإقراره بقتل عمد، والآخر بإقراره بقتل مطلق، أو شهد أحدهما بقتل عمد، والآخر بقتل مطلق ثبت أصل القتل لاتفاقهما عليه حتى لا يقبل من المدعى عليه إنكاره وطولب بالبيان لصفة القتل، فإن امتنع منه جعل ناكلا وحلف المدعي يمين الرد أنه قتل عمدا واقتص منه، وإن بين فقال: قتلته عمدا اقتص منه أو عفا على مال أو قتل خطأ فللمدعي تحليفه على نفي العمدية إن كذبه، فإذا حلف لزمه دية خطأ بإقراره، فإن نكل عن اليمين حلف المدعي واقتص منه، ولو شهد رجل على آخر أنه قتل زيدا وآخر أنه قتل عمرا أقسم ولياهما لحصول اللوث في حقهما جميعا.
كتاب البغاة جمع باغ، والبغي الظلم ومجاوزة الحد، سموا بذلك لظلمهم، وعدولهم عن الحق كما يقال: بغت المرأة إذا فجرت، وافتتحه في المحرر بقوله تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا) * الآية، وليس فيها ذكر الخروج على الإمام، لكنها تشمل لعمومها أو تقتضيه لأنه إذا طلب القتال لبغي طائفة على طائفة للبغي على الإمام أولى، والاجماع منعقد على قتالهم. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: أخذت السيرة في قتال المشركين من النبي (ص) وفي قتال المرتدين من أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وفي قتال البغاة من علي رضي الله تعالى عنه، وقد عرف المصنف رضي الله تعالى عنه البغاة بقوله: (هم) مسلمون (مخالفو الإمام) ولو جائرا وهم عادلون كما قاله القفال، وحكاه ابن القشيري عن معظم الأصحاب وما في الشرح والروضة من التقييد بالإمام العادل، وكذا هو في الام والمختصر مرادهم إمام أهل العدل فلا ينافي ذلك، ويدل لذلك قول المصنف في شرح مسلم إن الخروج على الأئمة وقتالهم حرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، لكن نوزع في الاجماع بخروج الحسين على يزيد بن معاوية وابن الزبير على عبد الملك بن مروان، ومع كل منهما خلق كثير من السلف، وقد يقال إن مراده الاجماع بعد ذلك، وفرق بعضهم بين من تغلب على الإمامة فيجوز الخروج عليه إذا جار وبغى، وبين من عقدت له الإمامة فلا يجوز. وتحصل مخالفة الإمام بأحد أمرين: إما (بخروج عليه) نفسه (و) إما بسبب (ترك الانقياد) له (أو) لا بهذين الامرين بل بخروج عن طاعته بسبب (منع حق) مالي لله تعالى أو لآدمي أو غيره كقصاص أو حد (توجه عليهم) لأن الصديق رضي الله تعالى عنه قاتل مانعي الزكاة لمنعهم الزكاة ولم يخرجوا عليه، وإنما منعوا الحق المتوجه عليهم، وإنما يكون مخالفو الإمام بغاة (بشرط شوكة لهم) بكثرة أو قوة ولو بحصن بحيث يمكن معها مقاومة الإمام فيحتاج في ردهم إلى الطاعة لكلفة من بذل مال وتحصيل رجال (و) بشرط (تأويل) يعتقدون به جواز الخروج عليه أو منع الحق المتوجه عليهم، لأن من خالف من غير تأويل كان معاندا للحق.
تنبيه: يشترط في التأويل أن يكون فاسدا لا يقطع بفساده بل يعتقدون به جواز الخروج كتأويل الخارجين من أهل الجمل وصفين على علي رضي الله تعالى عنه بأنه يعرف قتلة عثمان رضي الله عنه ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لمواطأته إياهم، وتأويل بعض مانعي الزكاة من أبي بكر رضي الله تعالى عنهم بأنهم لا يدفعون الزكاة إلا لمن صلاته سكن لهم وهو النبي صلى الله عليه وسلم. (و) بشرط (مطاع فيهم) أي متبوع يحصل به قوة لشوكتهم. وإن لم يكن إماما منصوبا فيهم يصدرون عن رأيه، إذ لا قوة لمن لا يجمع كلمتهم مطاع وهذا نقله الرافعي عن الإمام، وظاهر كلامه أن المطاع شرط لحصول الشوكة، لا أنه شرط آخر غير الشوكة كما يقتضيه تعبير الكتاب، ولهذا لم يذكر في المحرر غير