(وقال القاطع) المستحق أيضا (ظننتها اليمين) فالمذهب لا قصاص في اليسار، وتجب ديتها إلا إذا قال:
ظننت إباحتها أو دهشت أو علمت أنها لا تجزئ فإنه يلزمه قصاص اليسار. أما في الأولى فهو كمن قتل رجلا وقال: ظننت أنه أذن في قتله، ويفارق عدم لزومه فيما لو ظن إباحتها مع قصد المخرج جعلها عن اليمين بأن جعلها عن اليمين تسليط بخلاف إخراجها دهشة أو ظنا منه أنه قال أخرج يسارك. وأما في الثانية فلان الدهشة لا تليق بحال القاطع. وأما في الثالثة فلانه لم يوجد من المخرج تسليط ولا يسقط قصاص اليمين إلا إن قال: ظننت أنها تجزئ عن اليمين أو قطعتها عوضا كما مر.
تنبيه: حيث أوجبنا الدية في اليسار في الصور المتقدمة فهي في ماله لأنه قطع معتمدا، وكذا من قطع أنملتين بأنملة، وقال أخطأت وتوهمت أني أقطع أنملة واحدة تجب دية الأنملة الزائدة في ماله لا على عاقلته، لأن إقراره لا يسري عليها، وإن اعترف بتعمده قطعت منه الأنملة الزائدة ويصدق بيمينه في أنه أخطأ لأنه أتلفها بتسليطه وإن لم يخرجها له وقطع يمينه لم يصح استيفاؤه لعدم أهليته ووجب لكل دية وسقطتا والقول قول المخرج يده فيما نوى لأنه أعرف بقصده. ثم هذا كله في القصاص فإن جرى في السرقة فقال الجلاد للسارق: أخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها فالمذهب المنصوص أنه يكتفي بما جرى للحد والفرق أن المقصود بالحد التنكيل وتعطيل الآلة الباطشة وقد حصل والقصاص مبني على المماثلة.
فصل: في موجب العمد في العفو (موجب) بفتح الجيم أي مقتضى (العمد) في نفس أو غيرها (القود) عينا وهو بفتح الواو القصاص لقوله تعالى * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * وفي الحديث من قتل عمدا فهو قود رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بإسناد صحيح، وسمي قودا لأنهم يقودون الجاني بحبل أو غيره إلى محل الاستيفاء، ولأنه بدل متلف فتعين جنسه كسائر المتلفات (والدية) أو الأرش (بدل عند سقوطه) بعفو أو غيره كموت الجاني، وكان ينبغي أن يزيد الأرش كما قدرته في كلامه ليشمل الجراحات.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن الدية بدل عن القود وبه صرح الدارمي وغيره. وقال الماوردي: هي بدل عن النفس لا عن القود بدليل المرأة لو قتلت رجلا وجب عليها دية الرجل، فلو كانت بدلا عن القود وجب عليها دية المرأة. وقال المتولي: الواجب عند العفو دية المقتول لا دية القاتل. وجمع بعضهم بين الكلامين بأن القود بدل عن نفس المجني عليه وبدل البدل بدل. (وفي قول) موجب العمد (أحدهما مبهما) وفي المحرر لا بعينه وهو القدر المشترك بينهما في ضمن أي معين منهما. وصحح المصنف هذا في تصحيح التنبيه ولا اعتماد عليه في المذهب، وإن قال إنه الجديد.
تنبيه: محل الخلاف كما قاله ابن النقيب فيما إذا كان العمد يوجب القصاص فإن لم يوجبه كقتل الوالد ولده والمسلم الذمي فإن موجبه الدية جزما ومحلهما أيضا في عمد تدخله الدية ليخرج قتل المرتد مرتدا، فإن الواجب فيه القود جزما (وعلى القولين) معا (للولي عفو) عن القود (على الدية بغير رضا الجاني) لما روى البيهقي عن مجاهد وغيره كان في شرع موسى (ص) تحتم القصاص جزما، وفي شرع عيسى (ص) الدية فقط، فخفف الله تعالى عن هذه الأمة وخيرها بين الامرين لما في الالزام بأحدهما من المشقة، ولان الجاني محكوم عليه فلا يعتبر رضاه كالمحال عليه والمضمون عنه، ولو عفا عن عضو من أعضاء الجاني سقط كله كما أن تطليق بعض المرأة تطليق لكلها، ولو عفا بعض المستحقين سقط أيضا وإن لم يرض البعض الآخر لأن القصاص لا يتجزأ ويغلب فيه جانب السقوط لحقن الدماء ولا يؤثر فيه الجهل، فلو قطع رقيق فعفا عنه سيده قبل معرفته بالعضو المعفو عنه صح العفو