نجز في المرض. واعلم أن قيمة ما يفوت على الورثة يعتبر بوقت التفويت في المنجز وبوقت الموت في المضاف إليه، فقد صرحوا في باب العتق أنه يعتبر لمعرفة الثلث فيمن أعتقه منجزا في المرض قيمة يوم الاعتاق، وفيمن أوصى بعتقه قيمة يوم الموت لأنه وقت الاستحقاق، وفيما بقي للورثة بأقل قيمة من يوم الموت إلى يوم القبض، لأنه إن كان يوم الموت أقل فالزيادة حصلت في ملك الوارث أو يوم القبض أقل، فما نقص قبله لم يدخل في يده فلا يحسب عليه، ومثل ذلك جار في غير العتق. ولو أوصى بتأجيل الحال اعتبر من الثلث، وللروياني احتمال أنه لا يعتبر إلا التفاوت، قال الزركشي:
وهو قوي. (وإذا اجتمع) في وصية (تبرعات متعلقة بالموت) وإن كانت مرتبة، (وعجز الثلث) عنها: أي لم يوف بها، (فإن تمحض العتق) كأن قال: إذا مت فأنتم أحرار أو غانم وسالم وبكر أحرار، (أقرع) بينهم، فمن قرع عتق منه ما يكفي الثلث، وسيأتي كيفية القرعة في بابي القسمة والعتق إن شاء الله تعالى. ولا يعتق من كل بعضه، لأن المقصود من العتق تخليص الشخص من الرق ولا يحصل مع التشقيص، وإنما لم يعتبر ترتبها مع إضافتها للموت لاشتراكها في وقت نفاذها، وهو وقت الموت، بل لا يقدم العتق المعلق بالموت على الموصى باعتاقه وإن كان الثاني يحتاج إلى إنشاء عتقه بعد الموت، بخلاف الأول لأن وقت استحقاقهما واحد. نعم إن اعتبر الموصى وقوعها مرتبة، كأن قال: إعتقوا سالما بعد موتى ثم غانما ثم بكرا قدم ما قدمه جزما. فإن قيل لو قال: إذا مت فسالم حر ثم غانم ثم نافع لم يقدم الأول، بل هم سواء كما أفهمه كلام المصنف. أجيب بأن التبرعات فيما مثلوا به اعتبر الموصي وقوعها مرتبة من غيره، فلا بد أن يقع على وفق اعتباره بخلاف هذا، ولو دبر عبدا عند موته وأوصى بإعتاق آخر لم يقدم أحدهما. (أو) تمحض تبرعات (غيره قسط الثلث) على الجميع باعتبار القيمة أو المقدار كما تقسم التركة بين أرباب الديون، فلو أوصى لزيد بمائة ولبكر بخمسين ولعمر بخمسين وثلث ماله مائة أعطي الأول خمسين وكل من الآخرين خمسة وعشرين، ولا يقدم بعضها على بعض بالسبق لأن الوصايا إنما تملك بالموت، فاستوى فيها حكم المتقدم والمتأخر، وقاسه الشافعي رضي الله تعالى عنه على العول في الفرائض. هذا عند الاطلاق، فلو رتب كأن قال: أعطوا زيدا مائة ثم عمرا مائة جرى عليه حكم ترتيبه. (أو هو) أي اجتمع عتق (وغيره) كأن أوصى بعتق سالم ولزيد بمائة، (قسط) الثلث عليهما (بالقيمة) للعتيق لاتحاد وقت الاستحقاق، فإذا كانت قيمته مائة والثلث مائة عتق نصفه ولزيد خمسون.
(وفي قول يقدم العتق) لقوته لتعلق حق الله تعالى وحق الآدمي.
تنبيه: يستثنى من كلامه مسألة، وهي ما لو دبر عبده وقيمته مائة وأوصى له بمائة وثلث ماله مائة فإنه يعتق كله ولا شئ للوصية على الأصح. وقيل: يقسط، وصححه البغوي فإن اعتبر الموصى وقوع التبرعات مرتبة بعد الموت، كأن قال: أعتقوا بكرا ثم أعطوا زيدا مائة قدم الأول فالأول كما مرت الإشارة إليه، ولو قال لعبده: أنت حر قبل موتي بشهر مثلا ثم مرض شهرا فأكثر ومات، فحكمه كما لو علقه في الصحة، فوجدت الصفة في المرض كما قالاه هنا. (أو) اجتمع تبرعات (منجزة) كأن أعتق ووقف وتصدق، (قدم الأول) منها (فالأول حتى يتم الثلث) لقوته ونفوذه، لأنه لا يفتقر إلى إجازة، وسواء كان فيها عتق أم لا اتحد جنسها أم لا يتوقف ما بقي منها على إجازة الوارث. (فإن وجدت) هذه التبرعات (دفعة) بضم الدال: إما منه، أو بوكالة، (واتحد الجنس) فيها (كعتق عبيد أو إبراء جمع) كقوله: أعتقكتم أو أبرأتكم، (أقرع في العتق) خاصة، حذرا من التشقيص في الجميع، لخبر مسلم: إن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته ولم يكن له مال غيرهم، فدعاهم رسول الله (ص) فجزأهم أثلاثا وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة. قال الإمام: ولولا الحديث لكان القياس أن يعتق من كل عبد مقدار ما يخصه من الثلث. ولكن الشافعي تركه للحديث، لأن القصد من الاعتاق تخليص الرقبة ولا يحصل هذا الغرض مع بقاء رق بعضه.