في الرؤية رؤية شئ من بدنه ولو غير وجهه، ولو رأته وهي سكرى أو وهو سكران ولو كان المرئي في ماء صاف وزجاج وشفاف لا خيال فيهما طلقت لوجود الوصف، بخلاف ما لو رأته وهي نائمة، أو وهو متزر بثوب، أو ماء كدر، أو زجاج كثيف أو نحوه، أو برؤيتها خياله في المرآة. نعم لو علق برؤيتها وجهها فرأته في المرآة طلقت إذ لا يمكنها رؤيته إلا كذلك، صرح به القاضي في فتاويه فيما لو علق برؤيته وجهه. ويعتبر مع ما ذكر صدق رؤية كله عرفا، فقد قال المتولي بعد ذكره ما مر: أما لو أخرج يده أو رجله من كوة فرأت ذلك العضو منه لم تطلق لأن الاسم لا يصدق عليه، فإن كانت عمياء وأيس من برئها عادة كمن تراكم على عينيها البياض، أو عاريا، أو ولدت عمياء، فتعليق بمستحيل. ولو علق برؤيتها الهلاك حمل على العلم به، ولو برؤية غيرها له، أو بتمام العدد فتطلق بذلك، لأن العرف يحمل ذلك على العلم، وعليه حمل خبر: صوموا لرؤيته بخلاف رؤية زيد مثلا، فقد يكون الغرض زجرها عن رؤيته. وعلى اعتبار العلم يشترط الثبوت عند الحاكم كما في الخبر السابق، أو تصديق الزوج كما قاله ابن الصباغ وغيره. ولو أخبره به صبي أو عبد أو امرأة أو فاسق وصدقه فالظاهر كما قال الأذرعي مؤاخذته. ولو قال: أردت بالرؤية المعاينة صدق بيمينه. نعم إن كان التعليق برؤية عمياء فلا يصدق، لأنه خلاف الظاهر لكن يدين، فإذا قبلنا التفسير بالمعاينة ومضى ثلاث ليال ولم تر فيها الهلال من أول شهر تستقبله انحلت يمينه، لأنه لا يسمى بعدها هلالا. (بخلاف ضربه) إذا علق الطلاق به، ك إن ضربت زيدا فأنت طالق فضربته وهو ميت لانتفاء الألم، أو وهو حي طلقت بضربه بسوط أو وكز أو نحو ذلك إن آلم المضروب كما في الروضة ولو مع حائل. بخلاف ما إذا لم يؤلمه، أو عضه أو قطع شعره أو نحو ذلك، فإنه لا يسمى ضربا. فإن قيل: قد صرحوا في الايمان بعدم اشتراط الايلام فكان ينبغي أن يكون هنا كذلك. أجيب بأن الايمان مبناها على العرف، ويقال في العرف ضربه فلم يؤلمه.
فروع: لو علق بتكليمها زيدا فكلمته وهو مجنون أو سكران سكرا يسمع معه ويتكلم، وكذا إن كلمته وهي سكرى لا السكر الطافح طلقت لوجود الصفة ممن يكلم غيره ويكلم هو عادة، فإن كلمته في نوم أو إغماء منه أو منها، أو كلمته وهي مجنونة، أو كلمته بهمس وهو خفض الصوت بالكلام حيث لا يسمعه المخاطب، أو نادته من مكان لا يسمع منه، فإن فهمه بقرينة، أو حملته ريح إليه وسمع لم تطلق، لأن ذلك لا يسمى كلاما عادة. وإن كلمته بحيث يسمع لكنه لا يسمع لذهول منه، أو لشغل، أو لغط، ولو كان لا يفيد معه الاصغاء طلقت لأنها كلمته وعدم السماع لعارض، وإن كان أصم فكلمته فلم يسمع لصمم بحيث لو لم يكن أصم لسمع فقيل يقع، لأنها كلمته بحيث يسمع وإن تعذر السماع لأمر به فأشبه شغل قلبه، وصحح هذا الرافعي في الشرح الصغير وجزم به في أصل الروضة في كتاب الجمعة ونقله المتولي ثم عن النص، وقال الزركشي: تتعين الفتوى به، وقيل: لا تطلق لأنها لم تكلمه عادة فهو في حقه كالهمس، وبهذا صرح المصنف في تصحيحه وجرى عليه ابن المقري في روضه. هذا والأوجه كما قال شيخنا حمل الأول على من يسمع مع رفع الصوت، والثاني على من لم يسمع مع رفعه، وهذا أولى من تضعيف أحد الوجهين. ولو قال: إن كلمت نائما أو غائبا عن البلد مثلا فأنت طالق، لم تطلق لأنه تعليق بمستحيل، كما لو قال: إن كلمت ميتا أو حمارا. ولو قال: إن كلمت زيدا فأنت طالق فكلمت حائطا مثلا وهو يسمع فوجهان، أصحهما أنها لا تطلق لأنها لم تكلمه. والثاني: تطلق لأنه المقصود بالكلام دون الحائط، ولو قال: إن كلمت رجلا فأنت طالق فكلمت أباها أو غيره من محارمها أو زوجها طلقت لوجود الصفة، فإن قال: قصدت منعها من مكالمة الرجال الأجانب قبل منه لأنه الظاهر. ولو قال: إن كلمت زيدا أو عمرا فأنت طالق طلقت بتكليم أحدهما وانحلت اليمين فلا يقع بتكليم الآخر شئ، أو: إن كلمت زيدا وعمرا فأنت طالق لم تطلق إلا بكلامهما معا أو مرتبا، أو: إن كلمت زيدا ثم عمرا أو زيدا فعمرا اشترط تكليم زيد أولا وتكليم عمرو بعده متراخيا في الأولى وعقب كلام زيد في الثانية.
تنبيه: الأصحاب إلا الإمام والغزالي يميلون في التعليق إلى تقديم الوضع اللغوي على العرف الغالب، لأن العرف