وكذا هجران السلف بعضهم بعضا. (ولا يضرب في الأظهر) فإن الجناية لم تتأكد بالتكرر، وهذا ما رجحه جمهور العراقيين وغيرهم، وحكاه الماوردي عن الجديد. (قلت: الأظهر يضرب) أي يجوز له ذلك (والله أعلم) كما لو أصرت عليه لظاهر الآية، فتقديره: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن. والخوف هنا بمعنى العلم كما في قوله تعالى: * (فمن خاف من موص جنفا أو إثما) * والأولى بقاؤه على ظاهره. وقال: والمراد واهجروهن إن نشزن، واضربوهن إن أصررن على النشوز، وهذا ما ذكره بقوله:
(فإن تكرر ضرب) ولو قدمه على الزيادة وقيد الضرب فيها بعدم التكرار كان أولى.
تنبيه: إنما يجوز الضرب إن أفاد ضربها في ظنه وإلا فلا يضربها كما يصرح به الإمام وغيره، ولا يأتي بضرب مبرح، ولا على الوجه والمهالك، وعبر في الأنوار بالوجوب في ذلك، وهو ظاهر، وعليه يحمل تعبير الشيخين بينبغي وهو ضرب التعزير، وسيأتي فيه مزيد بيان. والأولى له العفو عن الضرب، وخبر النهي عن ضرب النساء محمول على ذلك، أو على الضرب بغير سبب يقتضيه لا على النسخ، إذ لا يصار إليه إلا إن تعذر الجمع وعلمنا التاريخ. وهذا بخلاف الصبي، فالأولى له عدم العفو، لأن ضربه للتأديب مصلحة له وضرب الزوج زوجته مصلحة لنفسه. والنشوز هو الخروج من المنزل بغير إذن الزوج لا إلى القاضي لطلب الحق منه، ولا إلى اكتسابها النفقة إذا أعسر بها الزوج، ولا إلى استفتاء إذا لم يكن زوجها فقيها ولم يستفت لها وكمنعها الزوج من الاستمتاع ولو غير الجماع لا منعها له منه تدللا، ولا الشتم له ولا الايذاء له باللسان أو غيره، بل تأثم به وتستحق التأديب عليه ويتولى تأديبها بنفسه على ذلك، ولا يرفعها إلى قاض ليؤدبها لأن فيه مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد وتوحيشا للقلوب، بخلاف ما لو شتمت أجنبيا، وينبغي كما قال الزركشي تخصيص ذلك بما إذا لم يكن بينهما عداوة وإلا فيتعين الرفع إلى القاضي، ولو ضربها وادعى أنه بسبب نشوز وادعت عدمه ففيه احتمالان في المطلب، قال: والذي يقوى في ظني أن القول قوله لأن الشرع جعله وليا في ذلك، والولي يرجع إليه في مثل ذلك.
فائدة: ليس لنا موضع يضرب المستحق من منعه حقه غير هذا. والرقيق يمتنع من حق سيده، وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها، والأولى خلافه. ثم شرع فيما إذا كان التعدي منه بقوله:
(فلو منعها حقا) لها (كقسم ونفقة ألزمه القاضي توفيته) إذا طلبته لعجزها عنه، بخلاف نشوزها فإن له إجبارها على إيفاء حقه لقدرته، فإن لم يكن الزوج مكلفا أو كان محجورا عليه ألزم وليه توفيته بشرط. (فإن أساء خلقه وآذاها) بضرب أو غيره (بلا سبب نهاه) عن ذلك ولا يعزره، (فإن عاد) إليه وطلبت تعزيره من القاضي (عزره) بما يليق به لتعديه عليها.
فائدة: الخلق بضم اللام وإسكانها: السجية والطبع، ولهما أوصاف حسنة وأوصاف قبيحة، وقد روي أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وقال القائل:
بمكارم الأخلاق كن متخلقا ليفوح مسك ثنائك العطر الشذي وانفع صديقك إن أردت صداقة وادفع عدوك بالتي فإذا الذي أي بقية الآية وإنما لم يعززه في المرة الأولى وإن كان القياس جوازه إذا طلبته. قال السبكي: ولعل ذلك لأن إساءة الخلق تكثر بين الزوجين والتعزيز عليها يورث وحشة بينهما فيقتصر أولا على النهي لعل الحال يلتئم بينهما، فإن عاد عزره وأسكنه يجنب ثقة يمنع الزوج من التعدي عليها. وهل يحال بين الزوجين؟ قال الغزالي: يحال بينهما حتى يعود إلى العدل، ولا يعتمد قوله في العدل وإنما يعتمد قولها وشهادة القرائن اه. وفصل الإمام، فقال: إن ظن الحاكم تعديه ولم يثبت عنده لم يحل بينهما، وإن تحققه أو ثبت عنده وخاف أن يضربها ضربا مبرحا لكونه جسورا