مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٣ - الصفحة ٢٦٠
وكذا هجران السلف بعضهم بعضا. (ولا يضرب في الأظهر) فإن الجناية لم تتأكد بالتكرر، وهذا ما رجحه جمهور العراقيين وغيرهم، وحكاه الماوردي عن الجديد. (قلت: الأظهر يضرب) أي يجوز له ذلك (والله أعلم) كما لو أصرت عليه لظاهر الآية، فتقديره: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن. والخوف هنا بمعنى العلم كما في قوله تعالى: * (فمن خاف من موص جنفا أو إثما) * والأولى بقاؤه على ظاهره. وقال: والمراد واهجروهن إن نشزن، واضربوهن إن أصررن على النشوز، وهذا ما ذكره بقوله:
(فإن تكرر ضرب) ولو قدمه على الزيادة وقيد الضرب فيها بعدم التكرار كان أولى.
تنبيه: إنما يجوز الضرب إن أفاد ضربها في ظنه وإلا فلا يضربها كما يصرح به الإمام وغيره، ولا يأتي بضرب مبرح، ولا على الوجه والمهالك، وعبر في الأنوار بالوجوب في ذلك، وهو ظاهر، وعليه يحمل تعبير الشيخين بينبغي وهو ضرب التعزير، وسيأتي فيه مزيد بيان. والأولى له العفو عن الضرب، وخبر النهي عن ضرب النساء محمول على ذلك، أو على الضرب بغير سبب يقتضيه لا على النسخ، إذ لا يصار إليه إلا إن تعذر الجمع وعلمنا التاريخ. وهذا بخلاف الصبي، فالأولى له عدم العفو، لأن ضربه للتأديب مصلحة له وضرب الزوج زوجته مصلحة لنفسه. والنشوز هو الخروج من المنزل بغير إذن الزوج لا إلى القاضي لطلب الحق منه، ولا إلى اكتسابها النفقة إذا أعسر بها الزوج، ولا إلى استفتاء إذا لم يكن زوجها فقيها ولم يستفت لها وكمنعها الزوج من الاستمتاع ولو غير الجماع لا منعها له منه تدللا، ولا الشتم له ولا الايذاء له باللسان أو غيره، بل تأثم به وتستحق التأديب عليه ويتولى تأديبها بنفسه على ذلك، ولا يرفعها إلى قاض ليؤدبها لأن فيه مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد وتوحيشا للقلوب، بخلاف ما لو شتمت أجنبيا، وينبغي كما قال الزركشي تخصيص ذلك بما إذا لم يكن بينهما عداوة وإلا فيتعين الرفع إلى القاضي، ولو ضربها وادعى أنه بسبب نشوز وادعت عدمه ففيه احتمالان في المطلب، قال: والذي يقوى في ظني أن القول قوله لأن الشرع جعله وليا في ذلك، والولي يرجع إليه في مثل ذلك.
فائدة: ليس لنا موضع يضرب المستحق من منعه حقه غير هذا. والرقيق يمتنع من حق سيده، وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها، والأولى خلافه. ثم شرع فيما إذا كان التعدي منه بقوله:
(فلو منعها حقا) لها (كقسم ونفقة ألزمه القاضي توفيته) إذا طلبته لعجزها عنه، بخلاف نشوزها فإن له إجبارها على إيفاء حقه لقدرته، فإن لم يكن الزوج مكلفا أو كان محجورا عليه ألزم وليه توفيته بشرط. (فإن أساء خلقه وآذاها) بضرب أو غيره (بلا سبب نهاه) عن ذلك ولا يعزره، (فإن عاد) إليه وطلبت تعزيره من القاضي (عزره) بما يليق به لتعديه عليها.
فائدة: الخلق بضم اللام وإسكانها: السجية والطبع، ولهما أوصاف حسنة وأوصاف قبيحة، وقد روي أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وقال القائل:
بمكارم الأخلاق كن متخلقا ليفوح مسك ثنائك العطر الشذي وانفع صديقك إن أردت صداقة وادفع عدوك بالتي فإذا الذي أي بقية الآية وإنما لم يعززه في المرة الأولى وإن كان القياس جوازه إذا طلبته. قال السبكي: ولعل ذلك لأن إساءة الخلق تكثر بين الزوجين والتعزيز عليها يورث وحشة بينهما فيقتصر أولا على النهي لعل الحال يلتئم بينهما، فإن عاد عزره وأسكنه يجنب ثقة يمنع الزوج من التعدي عليها. وهل يحال بين الزوجين؟ قال الغزالي: يحال بينهما حتى يعود إلى العدل، ولا يعتمد قوله في العدل وإنما يعتمد قولها وشهادة القرائن اه‍. وفصل الإمام، فقال: إن ظن الحاكم تعديه ولم يثبت عنده لم يحل بينهما، وإن تحققه أو ثبت عنده وخاف أن يضربها ضربا مبرحا لكونه جسورا
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الفرائض 2
2 فصل في بيان الفروض وأصحابها 9
3 فصل في الحجب 11
4 فصل في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا 13
5 فصل في بيان إرث الأب والجد وإرث الام في حالة الأب 14
6 فصل في إرث الحواشي 17
7 فصل في الإرث بالولاء 20
8 فصل في ميراث الجد مع الإخوة والأخوات 21
9 فصل لا يتوارث مسلم وكافر 24
10 فصل في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة 30
11 كتاب الوصايا 38
12 فصل في الوصية بزائد على الثلث 46
13 فصل في بيان المرض المخوف ونحوه 50
14 فصل في أحكام الوصية الصحيحة 55
15 فصل في الأحكام المعنوية 64
16 فصل في الرجوع عن الوصية 71
17 فصل في الوصاية 72
18 كتاب الوديعة 79
19 كتاب قسم الفيء والغنيمة 92
20 فصل في الغنيمة وما يتبعها 99
21 كتاب قسم الصدقات 106
22 فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها 113
23 فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها 116
24 فصل في صدقة التطوع 120
25 كتاب النكاح 123
26 فصل: في الخطبة 135
27 فصل في أركان النكاح وغيرها 139
28 فصل لا تزوج امرأة نفسها 147
29 فصل في موانع ولاية النكاح 154
30 فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح 164
31 فصل في تزويج المحجور عليه 168
32 باب ما يحرم من النكاح 174
33 فصل: فيما يمنع النكاح من الرق 183
34 فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه 186
35 باب نكاح المشرك 191
36 فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي 196
37 فصل في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت الخ 201
38 باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 202
39 فصل: في الإعفاف ومن يجب له وعليه 211
40 فصل في نكاح الرقيق من عبد أو أمة 215
41 كتاب الصداق 220
42 فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه 225
43 فصل في التفويض مع ما يذكر معه 228
44 فصل في ضابط مهر المثل 231
45 فصل فيما يسقط المهر وما يشطره وما يذكر معها 234
46 فصل في أحكام المتعة 241
47 فصل في التحالف عند التنازع في المهر المسمى 242
48 فصل في الوليمة 244
49 كتاب القسم والنشوز 251
50 فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين 259
51 كتاب الخلع 262
52 فصل الفرقة بلفظ الخلع طلاق 268
53 فصل في الالفاظ الملزمة للعوض 271
54 فصل في الاختلاف في الخلع أو عوضه 277
55 كتاب الطلاق 279
56 فصل: في جواز تفويض الطلاق للزوجة 285
57 فصل في اشتراط القصد في الطلاق 287
58 فصل في بيان الولاية على محل الطلاق 292
59 فصل في تعدد الطلاق بنيه العدد فيه وغير ذلك 294
60 فصل في الاستثناء 300
61 فصل في الشك في الطلاق 303
62 فصل في الطلاق السني وغيره 307
63 فصل في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه 313
64 فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما 319
65 فصل في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها 326
66 فصل في أنواع من التعليق 329
67 كتاب الرجعة 335
68 كتاب الايلاء 343
69 فصل في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره 348
70 كتاب الظهار 352
71 فصل: في أحكام الظهار من وجوب كفارة الخ 355
72 كتاب الكفارة 359
73 كتاب اللعان 367
74 فصل: في قدف الزوج زوجته خاصة 373
75 فصل: في كيفية اللعان وشرطه وثمرته 374
76 فصل في المقصود الأصلي من اللعان 382
77 كتاب العدد 384
78 فصل في العدة بوضع الحمل 388
79 فصل في تداخل عدتي المرأة 391
80 فصل في معاشرة المطلق المعتدة 393
81 فصل في عدة حرة حائل أو حامل 395
82 فصل في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقهما 401
83 باب الاستبراء 408
84 كتاب الرضاع 414
85 فصل: في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح 420
86 فصل في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما 423
87 كتاب النفقات 425
88 فصل: في موجب النفقة وموانعها 435
89 فصل في حكم الاعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها 442
90 فصل في نفقة القريب 446
91 فصل في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون 452
92 فصل في مؤنة المملوك وما معها 460