لمخالفته القياس الجلي، فإنه لا يحكم بوفاته في قسمة ميراثه وعتق أم ولده قطعا ولا فارق بينهما وبين فرقة النكاح. قال القاضي والإمام: رجع الشافعي عن القديم، وقال في الجديد: إن حكم به قاض نقض قضاؤه إن بان له أن تقليد الصحابي لا يجوز للمجتهد. والثاني: لا ينقض حكمه لشبهة الخلاف.
تنبيه: حيث قلنا بالجديد نفذ في الزوجة طلاق المفقود وظهاره وإيلاؤه وسائر تصرفات الزوج في زوجته للحكم بحياته سواء أكان قبل الحكم بالفرقة أم بعدها. ويسقط بنكاحها غيره نفقتها عن المفقود لأنها ناشزة به وإن كان فاسدا، ويستمر السقوط حتى يعلم المفقود عودها إلى طاعته وأنه فرق بينهما واعتدت وعادت إلى منزله، لأن النشوز إنما يزول حينئذ، ولا نفقة لها على الزوج الثاني إذ لا زوجية بينهما، ولا رجوع له بما أنفقه عليها لأنه متبرع إلا فيما أنفقه بحكم حاكم. (ولو نكحت) زوجة المفقود (بعد التربص و) بعد (العدة) وقبل ثبوت موته أو طلاقه، (فبان) الزوج (ميتا) وقت الحكم بالفرقة، (صح) نكاحها (على الجديد) أيضا (في الأصح) اعتبارا بما في نفس الامر، فأشبه ما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا. والثاني: لا يصح، لفقد العلم بالصحة حال العقد. وقياس الأول ممنوع بما تقدم من عدم صحة نكاح المرتابة إذا حصلت الريبة في العدة ثم نكحت بعد مضي الأقراء مع بقاء الريبة وإن بان أن النكاح صادف البينونة، وأيضا فقد جعلوا الشك في حال المنكوحة من موانع النكاح. وقد يجاب بأن هذا لما استند إلى حكم حاكم خف أمره. أما إذا بان حيا بعد أن نكحت فالزوج الأول باق على زوجتيه، لكن لا يطؤها حتى تعتد من الثاني. ولو أتت بولد ولم يدعه المفقود لحق بالثاني عند الامكان لتحقق براءة الرحم من المفقود بمضي المدة المذكورة. ولو لم تتزوج وأتت بولد بعد أربع سنين لم يلحق بالمفقود لذلك، فإن قدم المفقود وادعاه لم يعرض على القائف حتى يدعي وطئا ممكنا في هذه المدة، فإن انتفى عنه ولو بعد الدعوى به والعرض على القائف كان له منعها من ارضاعه غير اللبأ الذي لا يعيش إلا به إن وجد مرضعة غيرها وإلا فلا يمنعها منه. وإذا جاز له المنع ومنعها فخالفت وأرضعته في منزل المفقود ولم تخرج منه ولا وقع خلل في التمكين لم تسقط نفقتها عنه وإلا سقط. ثم شرع في حكم الاحداد فقال: (ويجب الاحداد) الآتي بيانه (على معتدة وفاة) لخبر الصحيحين: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا. قال الرافعي: قال الأئمة: قوله: إلا على زوج مستثنى من قوله: لا يحل، وظاهره لا يقتضي الجواز، لكن أجمعوا على أنه أراد الوجوب، وأنه استثنى الواجب من الحرام اه. ونقض دعوى الاجماع بأن في الشامل عن الحسن البصري أنه مستحب لا واجب.
تنبيه: التقييد بإيمان المرأة جرى على الغالب، لأن غيرها ممن لها أمان يلزمها الاحداد، وكذا الأربعة أشهر وعشر فإن ذلك في الحائل. وأما الحامل فتحد مدة بقاء حملها كما قاله شيخنا في حاشيته على البخاري، وعلى ولي الصغيرة والمجنونة منعهما مما يمنع منه غيرهما. وقول المصنف: على معتدة وفاة قال الزركشي: أحسن من قول غيره المتوفى عنها لشموله فرعا حسنا، وهو ما لو مات عنها وهي حامل بشبهة وقلنا إنها تعتد عنه ثم تنتقل للوفاة لا يجب الاحداد في مدة الحمل، وتعبير المصنف يومئ إليه. (لا) زوجة معتدة (رجعية) فلا يجب عليها الاحداد قطعا لبقاء أكثر أحكام النكاح فيها، ويسن لها الاحداد كما جرى عليه ابن المقري، ونقله الرافعي عن أبي ثور عن الشافعي رضي الله تعالى عنه، ثم نقل عن بعض الأصحاب رضي الله عنهم أجمعين أن الأولى لها أن تتزين بما يدعو الزوج إلى رجعتها، وضعف هذا باحتمال أن يظن أنها فعلت ذلك إظهارا للفرح بفراقه، وعلى تقدير صحته فينبغي تخصيصه بمن ترجو عوده.
(ويستحب) الاحداد (لبائن) بخلع أو غيره لئلا تدعو الزينة إلى الفساد. (وفي قول) قديم وأشار إليه في الام أيضا:
(يجب) الاحداد كالمتوفى عنها زوجها بجامع الاعتداد عن نكاح. ودفع هذا بأنها إن فورقت بطلاق فهي مجفوة به، أو بفسخ فالفسخ منها، أو لمعنى فيها فلا يليق بها فيهما إيجاب الاحداد، بخلاف المتوفى عنها زوجها. وخرج بالزوجة