سكناها إلى انقضاء عدتها لقوله تعالى: * (أسكنوهن من حيث سكنتم) * وقوله تعالى: * (لا تخرجوهن من بيوتهن) * أي بيوت أزواجهن، وأضافها إليهن للسكنى، إذ لو كانت إضافة ملك لم تختص بالمطلقات. ولو أسقطت مؤنة المسكن عن الزوج لم تسقط كما في فتاوي المصنف لأنها تجب يوما بيوم، ولا يصح إسقاط ما لم يجب.
تنبيه: أفهم تقييده بالمعتدة عن طلاق أنه لا سكنى لمعتدة عن وطئ شبهة ولو في نكاح فاسد ولا لام ولد إن أعتقت، وهو كذلك. ثم استثنى من المعتدة قوله: (إلا ناشزة) سواء كان ذلك قبل طلاقها كما صرح به القاضي وغيره، أم في أثناء العدة كما صرح به المتولي: فإنها لا سكنى لها في العدة، فإن عادت إلى الطاعة عاد حق السكنى كما صرح به المتولي في مسألته، وإلا صغيرة لا تحتمل الجماع فإنه لا سكنى لها بناء على الأصح أنها لا تستحق النفقة حالة النكاح. والأمة لا نفقة لها على زوجها كالمسلمة ليلا فقط أو نهارا كما مر ذلك في فصل نكاح العبد، وإلا من وجبت العدة بقولها، بأن طلقت ثم أقرت بالإصابة وأنكرها الزوج فلا نفقة لها ولا سكنى وعليها العدة. فإن قيل: لا وجه لاستثناء الصغيرة من ذلك، إذ الكلام في سكنى المعتدة، والصغيرة لا عدة عليها. أجيب بأنه يتصور ذلك باستدخالها ماء الزوج وإن كان فيه بعد. (و) يجب السكنى أيضا (لمعتدة وفاة في الأظهر)، لامره (ص) فريعة - بضم الفاء - بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري لما قتل زوجها أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله، فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرا، صححه الترمذي وغيره، والثاني: لا سكنى لها كما لا نفقة لها، وأجاب الأول بأن السكنى لصيانة مائة، وهي موجودة بعد الوفاة كالحياة والنفقة، لسلطته عليها وقد انقطعت، وبأن النفقة حقها فسقطت إلى الميراث، والسكنى حق الله تعالى فلم تسقط.
تنبيه: محل الخلاف ما إذا لم يطلقها قبل الوفاة رجعيا، وإلا لم تسقط قطعا لأنها استحقتها بالطلاق فلم تسقط الموت كما حكاه في المطلب عن الأصحاب، لكن حكى الجرجاني طرد القولين فيها، وعليه يأتي إطلاق المصنف. (و) يجب أيضا لمعتدة (فسخ) بعيب أو ردة أو إسلام أو رضاع (على المذهب) لأنها معتدة عن نكاح صحيح بفرقة في الحياة فأشبهت المطلقة تحصينا للماء. والطريق الثاني على قولين كالمعتدة عن وفاة.
تنبيه: سكت المصنف عن استثناء الناشزة في عدة الوفاة وعدة الفسخ مع أن حكمها كالناشزة في عدة الطلاق كما صرح به القاضي والمتولي فيمت مات عنها ناشزا، فلو أخر قوله: إلا ناشزة إلى هنا لشمل ذلك، وشمل إطلاقه الملاعنة. والذي في الروضة نقلا عن البغوي أنها تستحق قطعا، وحيث لا تجب السكنى لمعتدة فللزوج إسكانها حفظا لمائه، ويقوم وارثه مقامه وعليها الإجابة، وحيث لا تركة للميت لم يجب إسكانها، فإن تبرع الوارث بالسكنى لزمتها الإجابة لأن له غرضا في صون ماء مورثه، وغير الوارث كالوارث كما قاله الروياني تبعا للماوردي. فإن قيل: ينبغي عدم اللزوم كما لو تبرع أجنبي بوفاء دين ميت أو مفلس لم يلزم الدائن قبوله بخلاف الوارث، وبأن اللزوم فيه تحمل منة مع كون الأجنبي لا غرض له صحيح في صون ماء الميت. أجيب عن الأول بأن ملازمة المعتدة للمسكن حق الله تعالى لا بدل له فيجب فيه القبول، وإلا فيلزم تعطيله، وبأن حفظ ماء الانسان من المهمات المطلوبة بخلاف أداء الدين. وعن الثاني بأنه إنما يصح إذا كان التبرع عليها، وليس كذلك، وإنما هو على الميت، فإذا لم يوجد متبرع سن للإمام حيث لا تركة إسكانها من بيت المال لا سيما إن كانت متهمة بريبة، وإن لم يسكنها أحد سكنت حيث شاءت. (و) إذا وجبت السكنى فإنما (تسكن) بضم أوله بخطه: أي المعتدة حتما، (في مسكن) مستحق للزوج لائق بها (كانت فيه عند الفرقة) بموت أو غيره، للآية وحديث فريعة السابقين. (وليس للزوج وغيره إخراجها، ولا لها خروج) منه وإن رضي به الزوج إلا لعذر كما سيأتي، لأن في العدة حق الله تعالى، والحق الذي لله تعالى لا يسقط بالتراضي - بالضاد - وقد قال تعالى: * (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) *.