حال بينهما حتى يظن أنه عدل، إذ لو لم يحل بينهما واقتصر على التعزير لربما بلغ منها مبلغا لا يستدرك اه. وهذا ظاهر.
فمن لم يذكر الحيلولة أراد الحال الأول، ومن ذكرها كالغزالي والحاوي الصغير والمصنف في تنقيحه أراد الثاني، والظاهر كما قال شيخنا أن الحيلولة بعد التعزيز، والاسكان وإن كان لا يتعدى عليها لكنه يكره صحبتها لكبر أو مرض أو نحوه ويعرض عنها فلا شئ عليه. ويسن لها أن تستعطفه بما يجب كأن تسترضيه بترك بعض حقها كما تركت سودة نوبتها ل عائشة، فكان (ص) يقسم لها يومها ويوم سودة، كما أنه يسن له إذا كرهت صحبته لما ذكر أن يستعطفها بما تحب من زيادة نفقة ونحوها. ثم شرع فيما إذا كان التعدي منهما بقوله: (وإن قال كل) من الزوجين (إن صاحبه متعد) عليه، وأشكل الامر بينهما، (تعرف القاضي الحال) الواقع بينهما (بثقة) واحد (يخبرهما) بفتح المثناة التحتية أوله وضم الباء الموحدة بعد الخاء المعجمة، ويكون الثقة جارا لهما، فإن لم يتيسر أسكنهما في جنب ثقة يتعرف حالهما ثم ينهى إليه ما يعرفه. واكتفى هنا بثقة واحد تنزيلا لذلك منزلة الرواية لما في إقامة البينة عليه من العسر، وظاهر هذا أنه لا يشترط في الثقة أن يكون عدل شهادة بل يكفي عدل الرواية، ولهذا قال الزركشي: والظاهر من كلامهم اعتبار من تسكن النفس بخبره، لأنه من باب الخبر لا الشهادة. (و) إذا تبين له حالهما (منع الظالم) من عوده لظلمه، وطريقه في الزوج ما سلف، وفي الزوجة بالزجر والتأديب كغيرها. (فإن اشتد الشقاق) بكسر الشين: أي الخلاف والعداوة بينهما، مأخوذ من الشق، وهو الناحية، إذ كل واحد صار في ناحية، وذلك بأن دام بينهما التساب والتضارب وفحش ذلك. (بعث) القاضي (حكما من أهله وحكما من أهلها) لنظر في أمرهما بعد اختلاء حكمه به وحكمها بها ومعرفة ما عندهما في ذلك، ولا يخفى حكم عن حكم شيئا إذا اجتمعا ويصلحا بينهما أو يفرقا بطلقة إن عسر الاصلاح على ما يأتي، الآية: * (وإن خفتم شقاق بينهما) * والخطاب فيها للحكام، وقيل: للأولياء. والبعث واجب كما صححه في زيادة الروضة وجزم به الماوردي، وإن صحح في المهمات والاستحباب لنقل البحر له عن نص الشافعي، وقال الأذرعي: بل ظاهر نص الام الوجوب. وأما كونهما من أهلهما فمستحب غير مستحق إجماعا كما في النهاية، لأن القرابة لا تشترط في الحاكم ولا في الوكيل.
تنبيه: اقتضى كلام المصنف عدم الاكتفاء بحكم واحد، وهو الأصح لظاهر الآية، ولان كلا من الزوجين يتهمه ولا يفشي إليه سره. (وهما وكيلان) في الأظهر (لهما) أي عنهما. (وفي قول) هما حاكمان (موليان من الحاكم) واختاره جمع، لأن الله تعالى سماهما حكمين، والوكيل مأذون ليس بحكم. ووجه الأول أن الحال قد يؤدي إلى الفراق، والبضع حق الزوج، والمال حق الزوجة، وهما رشيدان، فلا يولى عليهما، ولان الطلاق لا يدخل تحت الولاية إلا في المولى، وهو خارج عن القياس. (فعلى الأول يشترط رضاهما) يبعث الحكمين. ويشترط في الحكمين: التكليف، والاسلام، والحرية، والعدالة، والاهتداء إلى المقصود بما بعثا له، ولا يشترط فيهما الذكورة وإنما اشترط فيهما ذلك مع أنهما وكيلان لتعلق وكالتهما بنظر الحاكم كما في أمينه. (فيوكل) الزوج إن شاء (حكمه بطلاق وقبول عوض خلع، وتوكل) الزوجة إن شاءت (حكمها ببذل عوض) للخلع (وقبول طلاق به) أي العوض كسائر الوكلاء. ويفرق الحكمان بينهما إن رأياه صوابا، وإن اختلف رأيهما بعث القاضي اثنين غيرهما حتى يجتمعا على شئ. فإن أغمي على أحد الزوجين أو جن ولو بعد استعلام الحكمين رأيه لم ينفذ أمرهما لأن الوكيل ينعزل بالاغماء والجنون، وإن أغمي على أحدهما أو جن قبل البعث لم يجز بعث الحكمين، وإن غاب أحدهما بعد بعث الحكمين نفذ أمرهما كما في سائر الوكلاء، فإن لم يرض الزوجان ببعث الحكمين ولم يتفقا على شئ أدب القاضي الظالم منهما واستوفى المظلوم حقه ويعمل بشهادة الحكمين. وعلى القول الثاني يشترط في الحكمين الذكورة