يوجد منه قصد تملك ولا فعل، لكن هو أولى به من غيره. فلو أخذه غيره، قال في أصل الروضة: ففي ملكه وجهان جاريان فيما لو عشش طائر في ملكه فأخذ فرخه غيره، وفيما إذا دخل السمك مع الماء حوضه، وفيما إذا وقع الثلج في ملكه فأخذه غيره، وفيما إذا أحيا ما تحجره غيره، لكن الأصح أن المحيي يملك، وفي هذه الصور ميلهم إلى المنع أكثر لأن المتحجر غير مالك، فليس الاحياء تصرفا في ملك غيره، بخلاف هذه الصور اه. والمعتمد في مسألة النثار أن من أخذه لا يملكه كما رجحه الشارح، بخلافه في غيرها كما هو مصرح به في أبوابها. والفرق أن الاستيلاء في هذه المسألة أقوى، لأنه وقع فيما هو ملابس له بخلاف غيرها، والصبي يملك ما التقطه والسيد يملك ما التقطه رقيقه.
خاتمة: في آداب الاكل: تسن التسمية قبل الأكل والشرب ولو من جنب وحائض للامر بها في الاكل، ويقاس به الشرب. ولو سمى مع كل لقمة فهو حسن، وأقلها بسم الله، وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم، وهي سنة كفاية للجماعة، ومع ذلك تسن لكل منهم، فإن تركها أوله أتى بها في أثنائه، فإن تركها في أثنائه أتى بها في آخره فإن الشيطان يتقايأ ما أكله أو شربه. ويسن الحمد بعد الفراغ من ذلك ويجهر بهما ليقتدى به فيهما. ويسن غسل اليد قبله وبعده، لكن المالك يبتدئ به فيما قبله ويتأخر به فيما بعده ليدعو الناس إلى كرمه. ويسن أن يأكل بثلاث أصابع للاتباع. وتسن الجماعة والحديث غير المحرم كحكاية الصالحين على الطعام، وتقليل الكلام أولى. ويسن لعق الاناء والأصابع وأكل ساقط لم يتنجس أو تنجس ولم يتعذر تطهيره وطهره. ويسن مواكلة عبيده وصغاره وزوجاته، وأن لا يخص نفسه بطعام إلا لعذر كدواء بل يؤثرهم على نفسه، ولا يقوم المالك عن الطعام وغيره يأكل ما دام يظن به حاجة إلى الاكل ومثله من يقتدي به، وأن يرحب بضيفه ويكرمه، وأن يحمد الله على حصوله ضيفا عنده. ويكره الاكل متكئا وهو الجالس معتمدا على وطاء تحته، كقعود من يريد الاكثار من الطعام، قاله الخطابي، وأشار غيره إلى أنه المائل إلى جنبه، ومثله المضطجع كما فهم بالأولى. ويكره الاكل مما يلي غيره ومن الأعلى والوسط، ونص الشافعي على تحريمه محمول على المشتمل على الايذاء، ويستثنى من ذلك نحو الفاكهة مما يتنقل به فيأخذ من أي جانب شاء. ويكره تقريب فمه من الطعام بحيث يقع من فمه إليه شئ وذمه، لا قوله لا أشتهيه أو ما اعتدت أكله. ويكره نفض يده في القصعة والشرب من فم القربة والاكل بالشمال والتنفس والنفخ في الاناء والبزاق والمخاط حال أكلهم، وقرن تمرتين ونحوهما كعنبتين بغير إذن الشركاء.
ويسن للضيف وإن لم يأكل أن يدعو للمضيف كأن يقول: أكل طعامكم الأبرار وأفطر عندكم الصائمون وصلت عليكم الملائكة وذكركم الله فيمن عنده ويسن قراءة سورة الاخلاص وقريش، ذكره الغزالي وغيره. ويندب أن يشرب بثلاثة أنفاس بالتسمية في أوائلها وبالحمد في أواخرها، ويقول في آخر الأول: الحمد لله، ويزيد في الثاني:
رب العالمين، وفي الثالث: الرحمن الرحيم، وأن ينظر في الكوز قبل الشرب، ولا يتجشأ فيه بل ينحيه عن فمه بالحمد ويرده بالتسمية، والشرب قائما خلاف الأولى. ومن آداب الاكل: أن يلتقط فتات الطعام، وأن يقول المالك لضيفه ولغيره كزوجته وولده إذا رفع يده من الطعام: كل ويكرره عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه، ولا يزيد على ثلاث مرات. وأن يتخلل، ولا يبتلع ما يخرج من أسنانه بالخلال بل يرميه، ويتمضمض بخلاف ما يجمعه بلسانه من بينها فإنه يبلعه. وأن يأكل قبل أكله اللحم لقمة أو لقمتين أو ثلاثة من الخبز حتى يسد الخلل. وأن لا يشم الطعام، ولا يأكله حارا حتى يبرد. ومن آداب الضيف: أن لا يخرج إلا بإذن صاحب المنزل، وأن لا يجلس في مقابلة حجرة النساء وسترتهن، وأن لا يكثر النظر إلى الموضع الذي يخرج منه الطعام. ومن آداب المضيف: أن يشيع الضيف عند خروجه إلى باب الدار. وينبغي للآكل أن يقدم الفاكهة ثم اللحم ثم الحلاوة، وإنما قدمت الفاكهة لأنها أسرع استحالة، فينبغي أن تقع أسفل المعدة. ويندب أن يكون على المائدة بقل، وسيأتي إن شاء الله تعالى زيادة على ذلك في باب الأطعمة.