جميعه لأن السفيه متصرف لنفسه فقصر الفساد على الزائد، والولي متصرف على غيره ففسد جميعه. أما إذا عقد الولي لموليه بأكثر من مهر مثل من مال نفسه فإنه يصح بالمسمى عينا كان أو دينا، لأن المجعول صداقا لم يكن ملكا للابن حتى يفوت عليه، والتبرع به إنما حصل في ضمن تبرع الأب، فلو ألغى فات على الابن ولزمه مهر مثل في ماله، وهذا ما قطع به الغزالي وغيره، وهو أوجه مما رجحه المتولي وغيره من فساده، لأنه يتضمن دخوله في ملك الابن ثم يكون متبرعا بالزائد لما يترتب على ذلك من المحذور السابق، ولا يصير الأب بالعقد لموليه ضامنا للمهر والنفقة. فإن قيل:
تركيب عبارة المصنف غير مستقيم، فإن من قواعد العربية أن لا إذا دخلت على مفرد وهو صفة السابق وجب تكرارها، كقوله تعالى: * (إنها بقرة لا فارض ولا بكر) * وقوله تعالى: * (زيتونة لا شرقية ولا غربية) *. أجيب بأن لا هنا اسم بمعنى غير ظهر إعرابها فيما بعدها لكونها على صورة الحرف، وسبق الكلام على ذلك في كتاب الطهارة. (ولو توافقوا) أي الولي والزوج والزوجة إذا كانت بالغة، وقد لا يحتاج إلى موافقتها، أو تكون غير مكلفة فيكون المراد الولي والزوج، (على مهر) كمائة (كان سرا) وهو لغة ما اطلع عليه شخص واحد، (وأعلنوا زيادة) كمائتين، (فالمذهب وجوب ما عقد به) اعتبارا بالعقد، لأن الصداق يجب به سواء كان العقد بالأقل أم بالأكثر، وعلى هاتين الحالتين حملوا نص الشافعي في موضع على أن المهر مهر السر، وفي آخر على أنه مهر العلانية، والطريقة الثانية تحكي قولين في الحالة الثانية، ومنهم من أثبتهما في الحالة الأولى أيضا، قال ابن القاسم: وهذه المسألة تنبني على ثلاث قواعد في كل منها خلاف، الأولى:
الاصطلاح الخاص هل يرفع الاصطلاح العام؟ والثانية: أن الابهام في الشروط هل يؤثر فيها؟ والثالثة: أن الشرط قبل العقد هل يلحقه؟ ولو اتفقوا على تسمية الألف بألفين، فإن عبروا بهما عنها وعقدوا بهما لزاما لجريان اللفظ الصريح بهما أو عقدوا بهما على أن لا يلزم إلا ألف صح النكاح بمهر المثل لفساد الشرط. (ولو قالت) رشيدة (لوليها) غير المجبر لأنه الذي يحتاج إلى إذن: (زوجني بألف، فنقص عنه بطل النكاح) للمخالفة، وفي قول من الطريق الثاني: يصح بمهر المثل، وأفهم البطلان بطريق الأولى فيما إذا زوجها بلا مهر أو مطلقا أو سكت عن المهر سواء أزوجها بنفسه أم بوكيله. (فلو أطلقت) بأن سكتت عن المهر، (فنقص عن مهر مثل بطل) النكاح، لأن المطلق محمول على مهر المثل وقد نقص عنه (وفي قول: يصح بمهر مثل) إذ ليست المخالفة صريحة (قلت: الأظهر صحة النكاح في الصورتين) المذكورتين (بمهر المثل، والله أعلم) كسائر الأسباب المفسدة للصداق، ولو كانت سفيهة وسمى دون تسميتها ولكنه كان زائدا على مهر مثلها، قال البلقيني في التدريب: فينبغي أن لا يضيع الزائد عليها ولم يذكروه، ولو طرد في الرشيدة لم يبعد اه. لكنهم لم ينظروا إلى ذلك مع وجود الرجوع إلى مهر المثل لأنه المراد.
تنبيه: جرت عادة الأولياء بتزويج الصغار بمهر مؤجل. وينبغي كما قال الزركشي الصحة عند المصلحة لتحصيل كفء، ولكن لا يسلمها حتى يأخذ على الصداق رهنا كيلا تفوت منفعة البضع بلا مقابل في الحال. ولو زوجها بعرض أو بغير نقد البلد، قال في البيان: الذي يقتضيه القياس إن كان الولي مجبرا وهي غير مكلفة صح إن كان ذلك مهر مثلها، فإن كان غير مجبر وغير حاكم أو وهي مكلفة لم يصح ذلك المهر إلا أن يكون بإذنها، فإن كان الحاكم وهي مجنونة ورأي أن يزوجها بشئ من العرض وقيمته قدر مهر مثلها صح ذلك.
فصل: في التفويض مع ما يذكر معه: وهو جعل الامر إلى غيره، ويقال الاهمال، ومنه لا يصلح الناس فوضى. وهو قسمان: تفويض مهر، كقولها للولي: زوجني بما شئت أو شاء فلان، وتفويض بضع وهو المراد