(وصوم الدهر غير) يومي (العيد، و) أيام (التشريق مكروه لمن خاف به ضررا أو فوت حق) واجب أو مستحب، لخبر البخاري: أنه (ص) آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء، فجاء سلمان يزور أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء مبتذلة فقال:
ما شأنك؟ فقالت: إن أخاك ليس له حاجة في شئ من الدنيا، فقال سلمان: يا أبا الدرداء إن لربك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا، فصم وأفطر وقم ونم وائت أهلك أعط كل ذي حق حقه فذكر أبو الدرداء للنبي (ص) ما قاله سلمان، فقال النبي (ص) مثل ما قال سلمان. فإن صام العيدين وأيام التشريق أو شيئا منها حرم، وعليه حمل خبر الصحيحين: لا صام من صام الأبد. (أو مستحب لغيره) لاطلاق الأدلة، ولأنه (ص) قال: من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين، رواه البيهقي. ومعنى ضيقت عليه: أي عنه فلم يدخلها، أو لا يكون له فيها موضع.
تنبيه: قوله: ومستحب لغيره كذا في المحرر وشرح مسلم، وجرى عليه ابن المقري، وهو المعتمد، وإن عبر في الشرحين والروضة والمجموع بعدم الكراهة لا الاستحباب. وقال الأذرعي: وعبارة الجمهور أنه لا يكره في هذه الحالة، ومع استحبابه فصوم يوم وفطر يوم أفضل منه لخبر الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما، وفيه أيضا: لا أفضل من ذلك فهو أفضل من صوم الدهر، كما قاله المتولي وغيره وإن أفتى ابن عبد السلام بالعكس وقال: إن الحسنة بعشر أمثالها، وحمل قوله في الخبر: لا أفضل من ذلك أي لك، ولو نذر صوم الدهر انعقد نذره، لكن محله كما قاله السبكي ما لم يكن مكروها. وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في باب النذر.
فائدة: قال ابن سيده: الدهر الأبد المحدود، والجمع أدهر ودهور، وأما قوله (ص): لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله فمعناه أن ما أصابك من الدهر فالله فاعله ليس الدهر، فإذا سببت به الدهر، فكأنك أردت الله سبحانه.
(ومن تلبس بصوم تطوع أو صلاته فله قطعهما) أما الصوم فلقوله (ص): والصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر قال الحاكم: صحيح الاسناد. وأما الصلاة فقياسا على الصوم، ويقاس بذلك بقية النوافل غير الحج والعمرة كاعتكاف وطواف ووضوء وقراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ويومها، والتسبيحات عقب الصلاة، ولئلا يغير الشروع حكم المشروع فيه. أما التطوع بالحج أو العمرة فيحرم قطعه كما يأتي في بابه لمخالفته غيره في لزوم الاتمام والكفارة بالجماع، ولكن يكره الخروج بلا عذر لظاهر قوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * وللخروج من خلاف من أوجب إتمامه، فإن كان هناك عذر كمساعدة ضيف في الاكل إذا عز عليه امتناع مضيفه منه أو عكسه، فلا يكره الخروج منه بل يستحب لخبر: وإن لزورك عليك حقا وخبر: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه رواهما الشيخان. أما إذا لم يعز على أحدهما امتناع الآخر من ذلك، فالأفضل عدم خروجه منه كما في المجموع، وإذا أفطر لم يثب على ما مضى إن خرج بغير عذر، ويثاب عليه إن خرج بعذر. وعلى هذا يحمل قول المتولي إنه لا يثاب لأن العبادة لم تتم، وما حكي عن الشافعي أنه يثاب عليه. (ولا قضاء) واجب لقطع التطوع، بل هو مندوب سواء أخرج بعذر أم بغيره للخروج من خلاف من أوجب قضاءه. أما من فاته وله عادة بصيامه كالاثنين فلا يسن له قضاؤه لفقد العلة المذكورة كما أفتى به شيخي.
تنبيه: لو عبر المصنف بقوله: ومن تلبس بتطوع غير حج وعمرة، لكان أولى ليشمل ما ذكر. (ومن تلبس بقضاء) لصوم فات عن واجب، (حرم عليه قطعه) جزما (إن كان) قضاؤه (على الفور، وهو صوم من تعدى بالفطر) حتى لا يجوز التأخير بعذر السفر كما نقلاه عن البغوي وأقراه تداركا لما وقع فيه من الاثم. (وكذا إن لم يكن