للنسك الآتي بيانه كما قاله في المجموع. وقال في الكفاية: هو قصد الافعال الآتية، وتقدم في باب صلاة النفل عن القاضي حسين أنه أفضل العبادات لاشتماله على المال والبدن. وقال الحليمي: الحج يجمع معاني العبادات كلها، فمن حج فكأنما صام وصلى واعتكف وزكى ورابط في سبيل الله وغزا، وبين ذلك، ولأنا دعينا إليه ونحن في أصلاب الآباء كالايمان الذي هو أفضل العبادات. ولكن تقدم أن الراجح أن الصلاة أفضل منه. وهو من الشرائع القديمة، روي أن آدم عليه الصلاة والسلام لما حج قال له جبريل: إن الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت بسبعة آلاف سنة. وقال صاحب التعجيز: إن أول من حج آدم عليه الصلاة والسلام، وأنه حج أربعين سنة من الهند ماشيا. وقيل ما من نبي إلا حجه. وقال أبو إسحاق: لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا وقد حج البيت. وادعى بعض من ألف في المناسك أن الصحيح أنه لم يجب إلا على هذه الأمة. (هو فرض) أي مفروض، لقوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * الآية. ولحديث: بني الاسلام على خمس، ولحديث: حجوا قبل أن لا تحجوا، قالوا: وكيف نحج قبل أن لا نحج؟ قال: أن تقعد العرب على بطون الأودية يمنعون الناس السبيل. وهو إجماع يكفر جاحده إن لم يخف عليه. واختلفوا متى فرض، فقيل: قبل الهجرة، حكاه في النهاية. والمشهور أنه بعد الهجرة، وعلى هذا قيل: فرض في السنة الخامسة من الهجرة، وجزم به الرافعي في الكلام على أن الحج على التراخي، وقيل: في السنة السادسة، وصححاه في كتاب السير، ونقله في المجموع عن الأصحاب، وهذا هو المشهور. وقيل: في الثامنة، حكاه في الأحكام السلطانية. وقيل: في التاسعة، حكاه في الروضة، وصححه القاضي عياض. وقيل: في العاشرة، قال بعضهم: وهو غلط، وكان (ص) قبل أن يهاجر يحج كل سنة، ولا يجب بأصل الشرع إلا مرة لأنه (ص) لم يحج بعد فرض الحج إلا مرة واحدة، وهي حجة الوداع، ولخبر مسلم: أحجنا هذا لعامنا أم للأبد؟ قال لا، بل للأبد. وأما حديث البيهقي الآمر بالحج كل خمسة أعوام فمحمول على الندب، لقوله (ص): من حج حجة أدى فرضه، ومن حج ثانية داين ربه، ومن حج ثلاث حجج حرم الله شعره وبشره على النار قيل: إن رجلا قتل وأوقد عليه النار طول الليل فلم تعمل فيه وبقي أبيض البدن، فسألوا سعدون الخولاني عن ذلك، فقال: لعله حج ثلاث حجج؟ قالوا: نعم. وقد يجب أكثر من مرة لعارض: كنذر وقضاء عند إفساد التطوع. (وكذا العمرة) فرض (في الأظهر)، لقوله تعالى: * (وأتموا الحج والعمرة لله) *: أي ائتوا بهما تامين، ولخبر ابن ماجة والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: نعم جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة. وأما خبر الترمذي عن جابر: سئل النبي (ص) عن العمرة أواجبة هي؟ قال: لا، وأن تعتمر خير لك فضعيف. قال في المجموع: اتفق الحفاظ على ضعفه، ولا يغتر بقول الترمذي فيه حسن صحيح. وقال ابن حزم: إنه باطل. قال أصحابنا: ولو صح لم يلزم منه عدم وجوبها مطلقا لاحتمال أن المراد ليست واجبة على السائل لعدم استطاعته، قال:
وقوله: أن تعتمر بفتح الهمزة، والعمرة بضم العين مع ضم الميم وإسكان وبفتح العين وإسكانها الميم لغة: الزيارة، وقيل: القصد إلى مكان عامر، ولذلك سميت عمرة، وقيل: سميت بذلك لأنها تفعل في العمر كله، وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي بيانه. ولا يغنى عنها الحج وإن اشتمل عليها، ويفارق الغسل حيث يغني عن الوضوء بأن الغسل أصل فأغنى عن بدله، والحج والعمرة أصلان.
فائدة: النسك إما فرض عين، وهو على من لم يحج بالشروط الآتية. وإما فرض كفاية، وهو إحياء الكعبة كل سنة بالحج والعمرة. وإما تطوع، ولا يتصور إلا في الأرقاء والصبيان، إذ فرض الكفاية لا يتوجه إليهم، لكن لو تطوع منهم من يحصل به الكفاية سقط الفرض عن المخاطبين كما بحثه بعض المتأخرين قياسا على الجهاد وصلاة الجنازة.
ويسن لمن وجب عليه الحج أو العمرة أن لا يؤخر ذلك عن سنة إلا مكان مبادرة إلى براءة ذمته ومسارعة إلى الطاعات، قال تعالى: * (فاستبقوا الخيرات) *. وإن أخر بعد التمكن وفعله قبل أن يموت لم يأثم، لأنه