في ذمته باستطاعته في الردة. ولا على غير مكلف كسائر العبادات، ولا على من فيه رق لأن منافعه مستحقة فليس مستطيعا، ولا على غير المستطيع لمفهوم الآية. وقد علم مما ذكر في الحج والعمرة أن لكل منهما خمس مراتب:
الصحة المطلقة، وصحة المباشرة، والوقوع عن النذر، والوقوع عن فرض الاسلام، والوجوب. فيشترط مع الوقت الاسلام وحده للصحة، ومع التمييز للمباشرة، ومع التكليف للنذر، ومع الحرية لوقوعه عن حجة الاسلام وعمرته، ومع الاستطاعة للوجوب. (وهي) أي الاستطاعة، (نوعان: أحدهما استطاعة مباشرة) لحج أو عمرة بنفسه، (ولها شروط) سبعة، غالبها يؤخذ من قول المتن، ولكن المصنف عدها أربعة، فقال: (أحدها: وجود الزاد) الذي يكفيه، (وأوعيته) حتى السفرة، (ومؤنة) أي كلفة (ذهابه) لمكة (وإيابه) أي رجوعه منها إلى بلده وإن لم يكن له فيها أهل وعشيرة. (وقيل إن لم يكن له ببلده) بهاء الضمير، (أهل) أي من تلزمه نفقتهم كالزوجة والقريب، (وعشيرة) أي أقاربه ولو كانوا من جهة الام، أي لم يكن له واحد منهما، (لم يشترط) في حقه (نفقة الإياب) لأن البلاد كلها بالنسبة إليه سواء. والأصح الأول لما في الغربة من الوحشة، والوجهان جاريان أيضا في الراحلة للرجوع.
تنبيه: يدخل في المؤنة الزاد وأوعيته. فلو اقتصر على المؤنة أغنى عنهما، فهو من عطف العام على بعض أفراده.
ولو قال أهل أو عشيرة كما في الروضة لاغنى عما قدرته وكان أولى، لأن وجود أحدهما كاف في الجزم باشتراط نفقة الإياب. ومحل الخلاف إذا لم يكن له ببلده مسكن وما إذا كان له في الحجاز حرفة تقوم بمؤنته وإلا اشترطت نفقة الإياب بلا خلاف. ولو عبر بمؤنة الإياب لكان أولى ليشمل الصور التي زدتها ونحوها. قال الرافعي: ولم يتعرضوا للمعارف والأصدقاء لتيسر استبدالهم. (فلو) لم يجد ما ذكر، ولكن (كان يكتسب) في سفره (ما يفي بزاده) وباقي مؤنة (وسفره طويل) مرحلتان فأكثر، (لم يكلف الحج) ولو كان يكسب في يوم كفاية أيام، لأنه قد ينقطع عن الكسب لعارض، وبتقدير عدم الانقطاع فالجمع بين تعب السفر والكسب فيه مشقة عظيمة. (وإن قصر) السفر كأن كان بمكة، أو على دون مرحلتين منها، (وهو يكتسب في يوم كفاية أيام) أي أيام الحج، (كلف) الحج بأن يخرج له لقلة المشقة حينئذ بخلاف ما إذا كان يكسب في كل يوم ما يفي به فقط فلا يكلف لأنه قد ينقطع عن كسبه في أيام الحج. وقدر في المجموع أيام الحج بما بين زوال سابع ذي الحجة وزوال ثالث عشره، وهو في حق من لم ينفر النفر الأول، فإن لم يجد زادا واحتاج أن يسأل الناس كره له اعتمادا على السؤال إن لم يكن له كسب وإلا منع بناء على تحريم المسألة للمكتسب كما بحثه الأذرعي.
ولو كان يقدر في الحضر على أن يكتسب في يوم ما يكفيه لذلك اليوم وللحج فهل يلزمه الاكتساب؟ قال الأسنوي تفقها:
إذا كان السفر قصيرا لزمه، لأنهم إذا ألزموه به في السفر ففي الحضر أولى، وإن كان طويلا فكذلك لانتفاء المحذور اه.
والمتجه كما قال بعض المتأخرين خلافه في الطويل، لأنه إذا لم يجب الاكتساب لايفاء حق الآدمي فلايجاب حق الله تعالى بل لايفائه أولى. والواجب في القصير إنما هو الحج لا الاكتساب، فقد نقل الخوارزمي الاجماع على أن اكتساب الزاد والراحلة ليس بواجب، وظاهره أنه لا فرق في ذلك بين الحضر والسفر، وأنه لا فرق في السفر بين القصير والطويل.
(الثاني: من شروط الاستطاعة، (وجود الراحلة) الصالحة لمثله بشراء أو استئجار بثمن أو أجرة المثل، (لمن بينه وبين مكة مرحلتان) فأكثر قدر على المشي أم لا، لكن يستحب للقادر على المشي الحج خروجا من خلاف من أوجبه.
وقضية كلام الرافعي أنه لا فرق في استحباب المشي بين الرجل والمرأة. قال في المهمات: وهو كذلك، وهذا هو المعتمد وإن قال القاضي حسين: لا يستحب للمرأة الخروج ماشية لأنها عورة، وربما تظهر للرجال إذا كانت ماشية. وعلى الأول