لوليها منعها كما قاله في التقريب. والركوب لواجد الراحلة أفضل عند المصنف، خلافا للرافعي، اقتداء بالنبي (ص)، وأن يركب على قتيب أو رحل لا محمل وهودج. والراحلة - والهاء فيها للمبالغة -: وهي الناقة التي تصلح لأن ترحل.
ومراد الفقهاء بها كل ما يركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى. قال المحب الطبري: وفي معنى الراحلة كل دابة أعتيد الحمل عليها في طريقه من برذون أو بغل أو حمار. وإنما اعتبروا مسافة القصر هنا من مبدأ سفره إلى مكة لا إلى الحرم عكس ما اعتبروه في حاضر المسجد الحرام في المتمتع رعاية لعدم المشقة فيهما. (فإن لحقه بالراحلة مشقة شديدة)، وضبطها الشيخ أبو حامد بما يوازي ضرره الضرر الذي بين الركوب والمشي. وعبر غيره بما يخشى منه المرض. قال الامام: وهما متقاربان بأن لا خلاف بينهما فيما أظن. قال الأذرعي: وفيه وقفة للمتأمل أو كان أنثى وإن لم يتضرر بها ومثلها الخنثى.
(اشترط وجود محمل) بفتح ميمه الأولى وكسر الثانية بخط مؤلفه، وقيل عكسه، وهو الخشبة التي يركب فيها ببيع أو إجارة بعوض مثل دفعا للضرر في حق الرجل، ولأنه أستر للأنثى وأحوط للخنثى. قال الأذرعي: ويحسن الضبط في حق الأنثى بما جرت به عادتها أو عادة أمثالها في سفرها الدنيوي، وغاية الرفق أن يسلك بالعبادة مسلك العادة، فإن كثيرا من نساء الاعراب والأكراد والتركمان كالرجال، فإن الواحدة منهن تركب الخيل في السفر الطويل بلا مشقة اه. ومع هذا فالستر منها مطلوب، فإن لحق من ذكر في ركوب المحمل المشقة المذكورة اعتبر في حقه الكنيسة، وهي أعواد مرتفعة في جوانب المحمل يكون عليها ستر دافع للحر والبرد. (واشترط شريك) أيضا مع وجود المحمل، (يجلس في الشق الآخر) لتعذر ركوب شق لا يعاد له شئ، فإن لم يجده لم يلزمه النسك وإن وجد مؤنة المحمل بتمامه أو كانت العادة جارية في مثله بالمعادلة بالاثقال، كما هو ظاهر كلام الأصحاب، وإن خالف بعضهم في ذلك لما عليه في ذلك من المشقة.
ويسن أن يكون لمريد النسك رفيق موافق راغب في الخير كاره للشر، إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه، ويحمل كل منهما صاحبه ويرى له عليه فضلا وحرمة، وإن رأى رفيقا عالما دينا كان ذاك هو الفضل العظيم. وروى ابن عبد البر:
ابتغ الرفيق قبل الطريق فإن عرض لك أمر نصرك وإن احتجت إليه رفدك. (ومن بينه وبينها) أي مكة، (دون مرحلتين وهو قوي على المشي يلزمه الحج) لعدم المشقة، فلا يعتبر في حقه وجود الراحلة ما يتعلق بها. وأشعر تعبيره بالمشي أنه لا يلزمه الحبو أو الزحف وإن أطاقهما، وهو كذلك. (فإن ضعف) عن المشي بأن عجز أو لحقه ضرر ظاهر، (فكالبعيد) عن مكة، فيشترط في حقه وجود الراحلة وما يتعلق بها. (ويشترط كون) ما ذكر من (الزاد والراحلة) مع المحمل والشريك، (فاضلين عن دينه) حالا كان أو مؤجلا، سواء أكان لآدمي أم لله تعالى كنذر وكفارة. ولو كان له في ذمة شخص مال فإن أمكن تحصيله في الحال فكالحاصل عنده، وإلا فكالمعدوم. (و) عن (مؤنة) أي كلفة (من عليه نفقتهم مدة ذهابه وإيابه) لئلا يضيعوا، وقد قال (ص): كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت، ولا بد أن يكون ذلك فاضلا عن دست ثوب يليق به، ويؤخذ ذلك من قضاء الدين لتقدمه عليه.
تنبيه: تعبير المصنف بالمؤنة يشمل النفقة والكسوة والخدمة والسكنى وإعفاف الأب، وكذا أجرة الطبيب وثمن الأدوية حيث احتاج إليها القريب والمملوك فهي أولى من تعبير المحرر بالنفقة، ولكن كان الأولى أن يقول: من عليه مؤنتهم لأنه قد يقدر على النفقة فلا تجب على قريبه دون المؤنة فتجب، وكلام الشيخين قد يوهم جواز الحج عند فقد مؤنة من عليه نفقته لأنهما جعلا ذلك شرطا للوجوب. قال الأسنوي: وليس كذلك بل لا يجوز حتى يترك لهم نفقة الذهاب والاياب وإلا فيكون مضيعا لهم، قاله في الاستذكار وغيره. (والأصح اشتراط كونه) أي ما سبق جميعه