الجنازة إذا صلت طائفة سقط الحرج عن الباقين، فإذا صلت طائفة أخرى وقعت فرضا أيضا، وهكذا فروض الكفاية كلها. وقيل: الفرض أكملها، وإنما يكون فرضه الأولى إذا أغنت عن القضاء وإلا ففرضه الثانية المغنية عنه على المذهب.
(والأصح) على الجديد (أنه ينوي بالثانية الفرض) ليحصل له ثواب الجماعة في فرض وقته حتى يكون كمن صلاها أولا في جماعة، واستشكله الإمام بأنه كيف ينوي الفرضية مع القطع بأن الثانية ليست فرضا. قال: بل الوجه أنه ينوي الظهر أو العصر ولا يتعرض للفرضية ويكون ظهره نفلا كظهر الصبي. وأجاب عنه السبكي بأن المراد أنه ينوي إعادة الصلاة المفروضة حتى لا تكون نفلا مبتدأ لإعادتها فرضا. وقال الرازي: ينوي ما هو فرض على المكلف لا الفرض عليه كما في صلاة الصبي. ورجح في الروضة ما اختاره الإمام. وجمع شيخي بين ما في الكتاب وما في الروضة بأن ما في الكتاب إنما هو لأجل محل الخلاف، وهو هل فرضه الأولى أو الثانية أو يحتسب الله ما شاء منهما؟ وما في الروضة على القول الصحيح، وهو أن فرضه الأولى والثانية نفل فلا يشترط فيها نية الفرضية، وهذا جمع حسن. قال في الروضة: ويستحب لمن صلى إذا رأى من يصلي تلك الفريضة وحده أن يصليها معه ليحصل له فضيلة الجماعة، وهذا استدل عليه في المجموع بحديث الترمذي السابق. قال المصنف في شرح الحديث المذكور: فيه استحباب إعادة الصلاة في جماعة لمن صلاها في جماعة وإن كانت الثانية أقل من الأولى، وأنه يستحب الشفاعة إلى من يصلي مع الحاضر ممن له عذر في عدم الصلاة معه، وأن الجماعة تحصل بإمام ومأموم، وأن المسجد المطروق لا يكره فيه جماعة بعد جماعة. ولو تذكر على الجديد خللا في الأولى وجبت الإعادة كما نقله المصنف في رؤوس المسائل عن القاضي أبي الطيب وأقره معللا بأن الثانية تطوع محض.
وما أفتى به الغزالي وترجاه السبكي من عدم وجوب الإعادة يحمل على أن الفرض إحداهما لا بعينها. (ولا رخصة في تركها) أي الجماعة (وإن قلنا) هي (سنة) لتأكدها (إلا بعذر) لخبر: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له - أي كاملة - إلا من عذر رواه ابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم على شرط الشيخين. فإن قيل: السنة يجوز تركها من غير عذر، فكيف يقال لا رخصة في تركها وإن قلنا سنة إلا بعذر؟ أجيب: القصد تهوين أمر الجماعة مع العذر، ولذلك فوائد: منها أنا إذا قلنا سنة قوتل تاركها على وجه لا يأتي مع العذر بل لا يقاتل قطعا. ومنها أنه لا ترد شهادة المداوم على تركها لعذر بخلاف المداوم على تركها بغير عذر. ومنها أن الإمام إذا أمر الناس بالجماعة وجبت إلا عند قيام الرخصة فلا يجب عليهم طاعته لقيام العذر. والرخصة بسكون الخاء ويجوز ضمها لغة: التيسير والتسهيل، واصطلاحا: الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر. (عام كمطر) أو ثلج يبل الثوب ليلا كان أو نهارا لما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن أبي المليح عن أبيه قال: كنا مع النبي (ص) زمن الحديبية فأصابنا مطر لم يبل أسفل نعالنا فنادى منادي رسول الله (ص): صلوا في رحالكم. ويشترط حصول مشقة بالخروج مع المطر كما صرح به الرافعي في الكلام على المرض، فلا يعذر بالخفيف ولا بالشديد إذا كان يمشي في كن. ولو تقطر المطر من سقوف الأسواق كان عذرا في الجمعة والجماعات لأن الغالب فيه النجاسة كما في الكفاية عن القاضي حسين. (أو ريح عاصف) أي شديدة (بالليل) لما روي أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، فقال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله (ص) كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر: ألا صلوا في رحالكم متفق عليه، وفي رواية كان يأمر مناديه في الليلة الممطرة والليلة الباردة ذات الريح أن يقول: ألا صلوا في رحالكم رواه الشافعي، ولعظم المشقة فيه. وقضية هذا أنه لا فرق بين أن تكون باردة أم لا، وعبر في المهذب بالباردة، وجمع الماوردي بينهما. قال في المهمات: والظاهر أن الريح الشديدة وحدها عذر بالليل. وإنما عبر من عبر بالباردة لكونه الغالب، وقد صرح باختياره الطبري في شرح التنبيه، فقال: المختار أن كلا من الظلمة والبرد والريح الشديدة عذر بالليل اه، وهذا هو الظاهر، وخرج بذلك الريح الخفيفة ليلا والشديدة نهارا. نعم المتجه كما قال الأسنوي أن وقت الصبح كالليل لأن المشقة فيه أشد منها في المغرب. والريح