السبكي: وكان الأليق ذكر هذه الصفات قبل قوله: سبحان ربي الأعلى. وبرفع كل منهم ذراعيه عن الأرض، فإن لحقه مشقة بالاعتماد على كفيه كأن طول المنفرد سجوده وضع ساعديه على ركبتيه كما قاله المتولي وغيره. (الثامن) من الأركان: (الجلوس بين سجدتيه مطمئنا) ولو في نفل، لحديث المسئ صلاته. وفي الصحيحين: كان (ص) إذا رفع رأسه لم يسجد حتى يستوي جالسا. وهذا فيه رد على أبي حنيفة حيث يقول: يكفي أن يرفع رأسه عن الأرض أدنى رفع كحد السيف. (ويجب أن لا يقصد برفعه غيره) لما مر في الركوع، فلو رفع فزعا من شئ لم يكف، ويجب عليه أن يعود إلى السجود. (وأن لا يطوله ولا الاعتدال) لأنهما ركنان قصيران ليسا مقصودين لذاتهما بل للفصل، وسيأتي حكم تطويلهما في سجود السهو إن شاء الله تعالى. هذا أقله، (وأكمله يكبر) بلا رفع يد مع رفع رأسه من سجوده للاتباع، رواه الشيخان. (ويجلس مفترشا) وسيأتي بيانه للاتباع، رواه الترمذي وقال حسن صحيح، ولان جلوسه يعقبه حركة، فكان الافتراش فيه أولى لأنه على هيئة المستوفز. وروى البويطي عن الشافعي أنه يجلس على عقبيه ويكون صدور قدميه على الأرض، وتقدم أن هذا نوع من الاقعاء مستحب، والافتراش أفضل منه.
(واضعا يديه) أي كفيه على فخذيه (قريبا من ركبتيه) بحيث تساوي رؤوس أصابعه ركبتيه. (وينشر أصابعه) إلى القبلة قياسا على السجود وغيره، ولا يضر انعطاف رؤوسها على الركبة كما قاله الشيخان، وإن أنكره ابن يونس وقال: ينبغي تركه لأنه يخل بتوجيهها للقبلة. وترك اليدين حواليه على الأرض كإرسالهما في القيام، وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.
(قائلا: رب اغفر لي وارحمني وأجبرني وارفعني وارزقني وأهدني وعافني) للاتباع، روى بعضه أبو داود وباقيه ابن ماجة.
وارفعني وارحمني ليستا في المحرر والشرح، وأسقط من الروضة ذكر ارفعني، وزاد في الاحياء: واعف عني بعد قوله: وعافني. وفي تحرير الجرجاني يقول: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم. وفي رواية لمسلم: أن رجلا أتى النبي (ص) فقال: يا رسول الله كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك أي لأن الغفر الستر، والعافية: اندفاع البلاء عن البعد.
والأرزاق نوعان: ظاهرة للأبدان كالأقوات، وباطنة للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم. (ثم يسجد) السجدة (الثانية كالأولى) في الأقل والأكمل كما قاله في المحرر.
فائدة: ما الحكمة في جعل السجود مرتين دون غيره؟ قيل: لأن الشارع لما أمر بالدعاء فيه وأخبر بأنه حقيق بالإجابة سجد ثانيا شكرا لله تعالى على الإجابة كما هو المعهود فيمن سأل ملكا شيئا فأنعم عليه به. وقيل: لأنه أبلغ في التواضع. وقيل: لأنه لما ترقى فقام ثم ركع ثم سجد وأتى بنهاية الخدمة أذن له في الجلوس فسجد ثانيا شكرا لله على استخلاصه إياه. وقيل: لأنه لما عرج به (ص) إلى السماء، فمن كان من الملائكة قائما سلموا عليه قياما ثم سجدوا شكرا لله تعالى على رؤيته (ص)، ومن كان منهم راكعا رفعوا رؤوسهم من الركوع وسلموا عليه، ثم سجدوا شكرا لله تعالى على رؤيته، فلذلك صار السجود مثنى مثنى، ومن كان منهم ساجدا رفعوا رؤوسهم وسلموا عليه ثم سجدوا شكرا لله تعالى على رؤيته، فلم يرد الله أن يكون للملائكة حال إلا وجعل لهذه الأمة حالا مثل حالهم، قاله القرطبي. وقيل: إشارة إلى أنه خلق من الأرض وسيعود إليها، وقيل غير ذلك. وجعل المصنف للسجدتين ركنا واحدا، وصححه في البيان، والأصح كما في الوسيط أنهما ركنان. وفائدة الخلاف كما قاله في الكفاية تظهر في المأموم إذا تقدم على إمامه في الافعال أو تأخر عنه، وقدمت الجواب عنه عند قوله: السابع السجود. (والمشهور سن جلسة