قد يكون عندنا أقل قيمة من السلعة مع علم البائع بغير خلاف، فدل هذا أجمع على فساد هذا البيع وإبطال ما خالف ما ذكرناه.
قال شيخنا أبو جعفر في الجزء الرابع من المبسوط: إذا كان لرجل في ذمة رجل حر دين عن غير سلم فباعه من انسان بعوض أو ثوب أو غيره، قال قوم: إنه يصح لأنه لما جاز أن يبتاع بدين في ذمته جاز أن يبتاع بدين له في ذمة غيره فإن كل واحد من الدينين مملوك له، وقال آخرون: إنه لا يصح لأن الدين الذي له في ذمة الغير ليس بمقدور على تسليمه فإنه ربما منعه من هو عليه وربما جحده وربما أفلس. ومن ابتاع مالا يقدر على تسليمه بطل بيعه، كما لو ابتاع بعبد مغصوب أو آبق. قال رحمه الله: والأول رواية أصحابنا، وقالوا: إنما يصح لأنه مضمون.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: أنظر أرشدك الله ووفقك لإصابة الحق إلى ما قال شيخنا أبو جعفر وتأمله وأسبره ففيه ما فيه، جعل رحمه الله الدين ثمنا وأصحابنا يجعلونه مثمنا لأنهم قالوا: بيع الدين، ثم قال رحمه الله: رواية أصحابنا، فجعله رواية ولو كان إجماعا لقال:
وإجماع أصحابنا أو مذهبنا، ثم قال: وقالوا إنما يصح لأنه مضمون.
قال محمد بن إدريس: عند أصحابنا أن البيع المضمون هو بيع السلف فهو المضمون الذي هو في الذمة لا بيع الأعيان لأن البيع عندهم على الضربين المقدم ذكرهما، وأيضا الذي يجوز خلاف ما نصرناه واخترناه لا يجوزه في كل دين، ويقول: إن بيع السلم بعد حلوله على غير من هو عليه لا يجوز وعلى من هو عليه يجوز، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي، ولأجل ذلك قال في الكلام الذي أوردناه عنه في مبسوطه قبل هذا الموضع وهو: إذا كان لرجل في ذمة رجل حر دين عن غير سلم فباعه من انسان، فاحترز من السلم فقد خصص العموم في بيع الدين، وإذا خصص من يستدل بالعموم ساع لخصمه التخصيص وبطل استدلاله بالعموم لأنه ما هو أولى بالتخصيص من خصمه، وأيضا فما ورد بذلك سوى خبرين فحسب أوردهما شيخنا أبو جعفر في تهذيب الأحكام الذي ماله أكبر منه في الأخبار، ولأجل ذلك قال: رواية أصحابنا، وهما أعني الخبرين: