المال الذي هو الثمن قبل الافتراق من مجلس العقد، وبيع الدين ليس كذلك بغير خلاف.
فإن قيل: هذا خلاف إجماع الإمامية وذلك أن إجماعهم منعقد بغير خلاف على صحة بيع الدين وإمضائه، وعموم أخبارهم على ذلك وكذلك أقوالهم وتصنيفاتهم ومسطوراتهم وفتاويهم.
قلنا: نحن ما دفعنا ذلك أجمع وأبطلناه، بل نحن عاملون بمقتضاه ومخصصون لما ناقض الدليل ونفاه، لأنه لا خلاف بين المحصلين لأصول الفقه أن العموم قد يخص بالأدلة، وقد قلنا: إن بيع الدين على من هو عليه جائز صحيح لا خلاف فيه، فقد عملنا بالإجماع واتبعنا ظواهر الأقوال والأخبار والفتاوى وما في التصنيفات، وأعطينا الظاهر حقه وخصصنا ما عدا بيع من عليه الدين بالأدلة المجمع عليها المقررة المحررة عند أصحابنا المقدم ذكرها، وهذا تحقيق لا يبلغه إلا محصل لأصول الفقه ضابط لفروع المذهب عالم بأحكامه محكم لمداره وتقريراته وتقسيماته، ومما يشيد ما حررناه إجماع أصحابنا الذي لا خلاف فيه وانعقاده على أن من كان له على غيره مال دينا لم يجز له أن يجعله مضاربة إلا بعد أن يقبضه ويتعين في ملكه، ثم يدفعه إليه إن شاء للمضاربة لأنه قبل قبضه وتعيينه في ملكه ملك لمن هو عليه ما انتقلت عينه إليه، فكيف يصح له أن يضاربه بعين ماله؟ فإنه قبل أن يقبضه ويتعين عينه في ملكه مال من هو عليه فكيف يضاربه بماله؟ ولو فعل ذلك لكان الربح كله لمن عليه المال لأنه ربح ماله، ولا تصح المضاربة لأن حقيقتها وموضوعها في الشريعة: إن من العامل العمل ومن رب المال المال، ومن عليه الدين منه المال والعمل جميعا.
فإن قيل: أنتم قد جعلتم من جملة أدلتكم على صحة ما حررتموه واخترتموه مسألة من كان له على غيره دين فلا يجوز له أن يجعله معه مضاربة إلا بعد قبضه وتعيينه له في ملكه، ولا يجوز له قبل ذلك جعله مضاربة، فعلى سياق هذا الاستدلال والاعتبار يلزمكم أن لا تجوزوا بيع الدين على من هو عليه قبل قبضه وتعيينه في ملك بائعه.
قلنا: لا يلزمنا ذلك لأن بيع خيار الرؤية لا يحتاج إلا إلى ذكر الجنس وكونه في ملك البائع والوصف له دون تعيين عينه بالإشارة إليه والمشاهدة له والقطع عليه، وليس كذلك حكم مال المضاربة لأنه يجب أن يكون مذكور الجنس معينا، ولا يكفي ذكر الجنس والصفة دون