اشتبه الحرام بين الشيئين وقيل هذا المتعين لك حلال إن تركت الآخر وهو حلال إن تركت هذا فلا مانع ولا يلزم مخالفة قطعية، وغاية ما يقال: إن هذه الأحكام أحكام حيثية، بمعنى أن المشكوك الحلية والحرمة من حيث هو مشكوك الحكم حلال، وهذه الحلية لا تنافي الحرمة من جهة لزوم الموافقة القطعية للتكليف المعلوم اجمالا بحكم العقل، ولو كان حكمه بنحو الاقتضاء نظير حلية لحم الغنم - مثلا - الغير المنافية لحرمته من جهة الغصبية - مثلا -.
وفيه أولا أن هذا خلاف ما يقولون من سقوط الأصول في الأطراف من جهة المعارضة، وثانيا أن مثل (كل شئ لك حلال حتى تعرف أنه حرام) على هذا يصير بمنزلة أن يقال المشكوك بما هو مشكوك حلال حتى يصير معلوما، وانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه لا يحتاج إلى الغاية، مع أن ملاحظة الأمثلة المذكورة في ذيلها مع أنها تكون بحسب الغالب من أطراف العلم الاجمالي ربما يوجب القطع بأنها ليست من الأحكام الحيثية وثالثا نقول: هذا لا يتم بملاحظة بعض الأخبار مثل قوله عليه السلام (كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه) حيث إن ظاهره فرض العلم الاجمالي بوجود الحرام.
إن قلت: سلمنا ذلك لكن مع كون الشبهة غير محصورة، أو خروج بعض الأطراف عن محل الابتداء لا يكون العلم منجزا.
قلت: أما مع كون الشبهة غير محصورة فمسلم عدم وجوب الاحتياط، ولعله من جهة موهونية احتمال التكليف بحيث يطمئن بعدم التكليف فيما هو محل ابتلاء المكلف، وهو غير الأمثلة المذكورة، وأما خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء فلا نعرف مانعية لوجوب الاحتياط، لأن مجرد استهجان الخطاب بعثا أو زجرا لا يوجب رفع التكليف، ألا ترى أن توجيه الزجر نحو بعض الأشخاص المنزهين عن ارتكاب بعض الأفعال القبيحة لا يستحسن ومع ذلك هم كغيرهم مكلفون، وبعبارة أخرى لازم ذلك عدم جواز المعاملة في سوق المسلمين من جهة دخول الأموال المحرمة في السوق، ولعل الأمر في مشكوك الطهارة والنجاسة