وانتشرت بذلك الجدالات والنقاشات التي لا تنتهي، في كل تجمع، وفي كل مدرسة أو جامعة تجد الجدال قد احتدم حول رواية أو حديث يأمر بعمل ما أو ينهى عنه، البعض يرفض والآخر يشكك في صحة النقل أو المصدر، والبعض الآخر يصف الحديث بالضعف، أو يشكل على فهم الناقل وشرحه.
وهكذا لن تجد داخل الجماعة الواحدة من يتفق مع " أخيه في الله " في قضية أو مسألة فقهية أو أصولية. وقد تعدى الأمر إلى تفسير القرآن وشرح آياته.
وإذا كان كل واحد غير مستعد للتنازل عن رأيه أو فكرته ونقله. فإن النتيجة الواقعية والمشاهدة هي انتشار الاختلافات الفقهية والأصولية على نطاق واسع جدا. يستحيل معه بعد ذلك جمع هذه الآراء أو الاجتهادات المتناقضة ضمن إطار واحد أو أطر متعددة لكن واضحة المعالم. فلقد أصبح كل طفل أو مراهق أو شيخ طاعن في السن مجتهدا في الدين الإسلامي برمته. يقرأ كتب الحديث ويطالع التفاسير ويأخذ منها ما شاء له أن يأخذ، ويترك ما شاء له أن يترك، دون قيد أو شرط أو حتى حسيب أو مرجع يمكن أن يعرض عليه اجتهاده لتصويبه أو تقييمه. ويزداد الطين بلة عندما نعرف أن أغلب من يقوموا بهذا العمل - أي الاجتهاد على الطريقة السلفية - لا يحسنون تلفظ جملة بالعربية دون خطأ، فحضهم من قواعد العربية هزيل جدا، أما اطلاعهم على لغة العرب وأساليبها ومعاني مفرداتها، فأهزل وأضعف.
لكنهم يستطيعون القراءة وقد يفهمون مجمل الكلام الوارد في الآية أو الحديث. ومع ذلك فقد تحول الواحد منهم بين عشية وضحاها إلى مجتهد كامل الاجتهاد بل مفتيا، يفتي في الأموال والأعراض والأرواح بجرأة وحرية لم يشتهر بها الأئمة الأربعة الذين قال أحدهم " لا أدري نصف العلم ".
وكانوا يتهربون من الفتوى هروبهم من الأسد كما قيل. وكانوا إذا ما سئلوا