يقول صائب عبد الحميد: إن الجمود على ما يفهم من ظاهر اللفظ لأول وهلة يعد أكبر الخطأ، وليس هو شأن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم. ففي قوله تعالى * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * هل قال أحد أن الحبل هنا هو ما نفهمه من لفظ الحبل. فعلينا أن ننتظر حبلا بأوصاف خاصة يتدلى من جهة الفوق كما يريد الحشوية، لنعتصم به؟!.
إنهم أجمعوا هنا على تأويل الحبل بمعاني أخرى، فقالوا: هو الإسلام أو القرآن، أو الثقلان كتاب الله وعترة رسوله، اللذان ورد الأمر بالتمسك بهما.
إن من ينكر ضرورة التأويل في أمثال هذه الألفاظ فقد ارتكب جهلا وخطأ كبيرا.. وإن من ينكر تأويل السلف لآيات الصفات فقد افترى عليهم فرية كبيرة (42).
وعلى ذكر الصحابة وأهل البيت لا بأس من أن نختم كلامنا في هذه القضايا الشائكة. بكلام سيد العارفين وأمير الموحدين والمنزهين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي يقول في خطبة الأشباح: " الحمد لله الذي لا يفره المنع والجود، ولا يكديه الإعطاء والجود، إذ كل معط منتقص سواه، وكل مانع مذموم ما خلاه، وهو المنان بفوائد النعم..
الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شئ قبله، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شئ بعده، والرادع أناسي الأبصار عن أن تناله أو تدركه، ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال، ولا كان في مكان فيجوز عليه الانتقال.
فانظر أيها السائل: فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به، واستضئ بنور هدايته، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنة النبي صلى الله عليه وآله وأئمة الهدى أثره، فكل علمه إلى الله سبحانه. فإن ذلك منتهى حق الله عليك، واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيب، ولا تقدر عظمة الله