وقال إسماعيل بن الخليل لو كان أحمد في بني إسرائيل لكان نبيا (114).
وهذا الغلو والتطرف لم تقل به بعض طوائف الشيعة، التي تتهمها الحشوية بالغلو في أئمتها، يقول الساجي وهو زكريا بن يحيى: أحمد بن حنبل أفضل عندي من مالك والأوزاعي والثوري والشافعي، وذلك أن هؤلاء لهم نظراء، وأحمد بن حنبل لا نظير له (115). لم يكتف الحنابلة بالدعوة لتقليد مذهبهم بطرق غير مباشرة كتمجيد إمامهم وبيان فضله بل دعوا إلى ذلك مباشرة، يقول عبد الله الأنصاري الهروي، أحد شيوخ الحنابلة الكبار.
أنا حنبلي ما حييت وإن مت * فوصيتي للناس أن يتحنبلوا (116) قلنا سابقا إن أصحاب الحديث لم يكن لهم مذهب خاص يجمعهم أو إمام ينضوون تحت لوائه. ولما ظهر أحمد بن حنبل واجتمعت له المكانة العلمية في مجتمعهم والشهرة الاجتماعية، لملم أصحاب الحديث أمرهم وبدأت حركة الانتساب إلى مذهبه، ونقل على إثرها أهل الحديث والحشوية منهم خاصة تراثهم الحديثي وعقائدهم وضموها لآراء ومواقف هذا الإمام. ومن هذا الخليط، مما نسب لأحمد وما يرويه المحدثون ويعتقدونه تكون المذهب الحنبلي.
وإذا كان للحشوية عقائدهم الخاصة وكتبهم المعتمدة عندهم، فإن ذلك التراث سيصبح المصدر الذي سيستقي منه الحنابلة أفكارهم وعقائدهم، وسيصبح المذهب الحنبلي فيما بعد رحم الحشوية الجديد الذي منه يصدرون، والعش الذي يحتضن كبارهم وعلماءهم. وسنقوم بحول الله برصد بعض من هذه المصادر، ومعرفة ما احتوته من عقائد الحشو. لأنها نفسها مصادر المذهب الحنبلي الخاصة. ليتبين لنا كما قلنا سابقا بأن المذهب الحنبلي قد صنع ليكون رحم الحشوية الجديد.