الشافعي أكثر أهل الجنة (109).
ويظهر أن هذه الرؤية وضعت أيام الوئام بين الشافعية وحشوية الحنابلة، أما بعد انفجار الصراع بينهما فلم يكن الحشوية يكتفون بتكفير الشوافع، وإنما ترصدوا لهم في الطرقات وقتلوهم واعتدوا عليهم.
ومع كثرة هذه الرؤى والمنامات التي ترغب في مذهبهم، بدأ التصعيد نحو الغلو والمتطرف، الغرض منه التقليل من شأن باقي العلماء والحط من مكانتهم، وجعل إمامة أحمد بن حنبل وكأنها واجبة الاتباع دون غيره. روى بعض الحنابلة، قال الشافعي رضي الله عنه: أحمد إمام في ثمان خصال: إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في السنة (110).
والغريب أن من كانت هذه حقيقته، كيف لم يذكر العلماء ذلك منه. و لماذا لم يعترفوا بإمامته في الفقه ولا في الحديث، فنحن لا نعلم أحدا أطلق عليه اسم أمير المؤمنين في الحديث إلا البخاري، كما أطلق على غيره لقب الحافظ، ولم نسمع أحدا أطلق على أحمد بن حنبل لقبا من هاته الألقاب.
ويقولون أنه انعقد الاجماع على أصوله التي اعتقدها والأخذ بصحة الأخبار التي اعتمدها حتى من زاغ عن هذا الأصل كفروه، وحذروا منه وهجروه (111). وقالوا " من أبغض أحمد بن حنبل فقد كفر " (112). ويبلغ الغلو مداه البعيد حين يقول أحمد بن حسين: سمعت رجلا من خراسان يقول: عندنا أحمد بن حنبل يرونه أنه لا يشبه البشر، يظنون أنه من الملائكة.
وقال رجل: نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة (113).