وباتوا تلك الليلة جائعين، ولم يجدوا طعاما للسحور. وفي اليوم الثاني أصبحوا صائمين. وفي الغد طحنت فاطمة قدحا آخر من الشعير، وخبزته أقراصا، فلما سمعوا أذان المغرب جلسوا للفطور، فطرق الباب يتيم من اليتامى، يطلب طعاما، فأعطوه ما كان لديهم من أقراص الشعير، واكتفوا بالماء في فطورهم، وباتوا جياعا في تلك الليلة أيضا. وفي اليوم الثالث صاموا، وطحنت فاطمة الباقي من الشعير وخبزته، فلما جلسوا للفطور عند المغرب، قدم أسير جائع، وطرق الباب، وطلب إحسانا، فقدموا له ما كان لديهم من الطعام، وحمدوا الله كل الحمد، لأنهم استطاعوا الوفاء بما نذروه له جل شأنه. رحمهم الله رحمة واسعة، فقد باتوا ثلاث ليال جياعا، وفضلوا المسكين واليتيم والأسير على أنفسهم، وأحسنوا إليهم بما في أيديهم. وهذا نوع من الايثار لا وجود له اليوم، لا وجود له في هذا العصر المادي الذي انتشرت فيه الأثرة وحب النفس، وصار كل انسان يعيش لنفسه، ويحب نفسه، ولا يفكر إلا في نفسه، ولا يشعر بشعور غيره، ولا يتألم لمسكين، ولا يعطف على يتيم، ولا ينظر إلى فقير.
وفي ذلك قال عز وجل: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما، وأسيرا.
إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا).
ومنهم الفاضل المعاصر توفيق الحكيم في (مختار تفسير القرطبي) (ص 861 ط الهيئة المصرية العامة للكتاب) قال:
وقال أهل التفسير: نزلت في علي وفاطمة رضي الله عنهما وجارية لهما اسمها فضة. وقد ذكر النقاش والثعلبي والقشيري وغير واحد من المفسرين في قصة علي وفاطمة وجاريتهما حديثا رواه ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله عز وجل:
(يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا * ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) قال: مرض الحسن والحسين فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعادهما عامة العرب، فقالوا: يا أبا الحسن - ورواه جابر الجعفي عن قنبر مولى علي قال: مرض الحسن والحسين حتى عادهما أصحاب رسول الله صلى الله