في طرابلس...
وفي المغرب مكتبات: الجامع الأعظم في القيروان، وجامع الزيتونة في تونس، وجامع القرويين في فاس، والحكمة في مراكش، والجامع الأعظم في مكناس...
كانت هذه الدور الثقافية وأمثالها مما لا يتسع المجال لاستيعابه، تعطي تفسيرا تاريخيا لهذه النهضة التي حملت أمتنا لواءها في العصر الوسيط ((1)).
ومن ثم لا تلبث جيوش هولاكو أن تندفع إلى المشرق كالإعصار المارد، فتتهاوى حينئذ حصون الشرق الإسلامي حصنا في أثر حصن، وانهدت صروحنا العلمية وكنوز ثقافتنا ومعالم حضارتنا، حتى قيل: إن الكتب قد سدت مجرى دجلة، وجاز الناس عليها ما بين شطيه كأنها جسر معقود.
وهناك في أقصى المغرب لقيت مكتبة الزهراء ودور العلم بالأندلس نفس المصير الذي لقيته دور المشرق، وإن اختلفت الأسباب.
وفي ظلمة الليل الغاشي هان تراثنا على قومنا وهم في سباتهم أبان العصر التركي، وجهلوا قدره، فلم يعودوا يرون فيه وفي ماضينا سوى ركام هين لا قيمة له، أو أكفان موتى وأضرحة قبور خاوية.
وتزامنت إفاقة أوربا من سباتها المظلم مع ذلك التدهور التاريخي لتراثنا، وقد أنار فكرنا الإسلامي مسرى أوربا إلى عصر نهضتها الحديثة.
وما أن تمت عملية انتقال الحضارة من المشرق إلى المغرب ازداد حرص أهل الغرب على تراثنا الراحل عنا والحال لديهم، ولم يكتفوا بما وصل إليهم من ذخائرنا بل أخذوا بتجنيد الشياطين والأبالسة ممن عد منهم أو منا لسلب ما تبقى في أيدينا كي يتسنى لهم اكتشاف سر وجودنا، وطبيعة مزاجنا، وملامح عقليتنا،