الشيرازي قدس سره: كما لم يتفق في الإمامية مثله في الجلالة، ونفوذ الكلمة، والانقياد له ().
وبعد ذلك، فلا مبالغة حين يدعي المدعي أنه كان زعيما عظيما تخشع أمامه عيون الجبابرة، وتعنو له جباه الأكاسرة، كما قال في رثائه بعض الأفاضل من السادة الأشراف:
قدت السلاطين قيود الخيل إذ جبنوا * ما سوى طاعة الباري لها رسن لك استقيدوا على كره لما علموا * بالسوط أدبارهم تدمى إذا حزنوا لا خوف بعدك أمسى في صدورهم * فليفعلوا كيف شاؤوا أنهم أمنوا ().
هذه الشخصية الثرة العطاء لبت نداء ربها في ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان سنة 1312 ه في سامراء التي أرسى فيها حوزته العلمية قرابة واحد وعشرين عاما، وأضفى على هذا البلد من جلال أجداده الأئمة الميامين هيبة هاشمية، وعزا علويا، ومجدا محمديا ما طاول الأيام.
وكان حرص المسلمين على توديع سيدهم الإمام المجدد، وزعيمهم الديني الفذ متجليا في الأكف الممدودة لحمل النعش من بلد إلى بلد، من سامراء إلى مثواه الأخير في النجف الأشرف، ليكون بجوار جده الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وبالعيون الدامعة التي تروي الثرى الذابل من وطأة الثكل بالمصاب الجلل، وبالقلوب المفجوعة بهول الخسارة التي مني الإسلام بوفاة هذا الطود الشامخ، والعلم الخفاق، والكلمة المعطاة، والعقل المتوقد.
وكانت الجماهير المثكولة تستقبل الجثمان وتودعه من مشارف بلدها، إلى مشارف المدينة الأخرى لتأخذه بالقلوب والدموع، والأكف تجدد به عهدا، وتودع به عهدا، وهكذا حتى حط نعشه في مرقد جده الإمام علي عليه السلام ليقضي ليلته