تسليم تعينه وفرض تبينه يحتمل أن يكون حصوله متوقفا على قصد الوجه في أجزاء ما يتحقق به وتمييز واجباته عن غيرها، لثبوت القول به من جماعة، وتحصيل هذا الشرط في المقام متعذر، إذ المفروض الشك في الأجزاء والشرائط الواجبة واشتباهها بغيرها، ولا ريب أنه لو كان مقيدا بهذا الشرط في الواقع، لارتفع التكليف عنه بتعذر هذا القيد، إذ المفروض تقيد مطلوبيته به، فمع تعذره لا يعقل التكليف بتحصيله، فإذا ارتفع التكليف عنه فهو مستلزم لارتفاعه عن ذات الفعل أيضا، فهذا الاحتمال يوجب الشك في التكليف بالعبادة فعلا، ولا يبقى معه علم إجمالي بالتكليف، لاحتمال ارتفاعه رأسا، ومقتضى الأصل حينئذ الرجوع إلى البراءة الأصلية رأسا حتى بالنسبة إلى الأجزاء والشرائط المعلومة وإن قلنا بوضع الألفاظ المذكورة للصحيحة، حيث أن وجوبها مقدمة يستلزم الشك في وجوب المعنى المذكور نفسا () الشك في وجوبها مقدمة أيضا إلا أن الإجماع والضرورة قد قاما على عدم جواز طرح التكاليف رأسا في مقام هذا الشك، والقدر المتيقن منهما إنما هو وجوب الإتيان بالأقل فبطل دعوى الملازمة المدعاة، بل ثبت عكسها ومثال ما نحن فيه ما إذا اضطر إنسان إلى ارتكاب أحد أطراف الشبهة المحصورة اضطرارا مجوزا لارتكابه المحرم، كالعطش المشرف للإهلاك لو لم يشرب فإنه يجوز له تناول كل ما شاء من تلك الأطراف.
أما في صورة اضطراره إلى ارتكاب أحدها بالخصوص، كما إذا كان عنده إناءان مع علمه بنجاسة أحدهما إجمالا، ويكون أحدهما مملؤا من الماء، والآخر من مائع آخر طاهر بالأصل، جائز الأكل كذلك، لكنه لا يرفع العطش مع كون الشخص عطشان عطشا أشرف إلى الإهلاك فواضح، حيث إنه يجوز له تناول كل منهما، أما تناول الماء فلأنه على فرض نجاسته فهو حلال له الآن شربه يقينا، وأما المائع الآخر فلاحتمال أن يكون النجس هو الماء المقطوع بعدم حرمته على فرض نجاسته، فيكون هو فعلا شاكا في وجوب الاجتناب عليه بالنسبة إلى المائع الآخر، لعدم العلم الإجمالي له حينئذ به.