وأما الأول، فلم يعلم بلوغه إلى هذه المثابة، مع إمكان منع أصله.
وأما الأخير فهو إنما يكون منشأ لانصراف اللفظ إلى بعض الأفراد، إذا كان فصل ذلك البعض - ومميزه عما عداه من الأفراد - أمرا عدميا، بخلاف الفرد الآخر، بأن يكون مميزه أمرا وجوديا زائدا على ما كان عليه الفرد الأول، وأما إذا كان المميز في كل منهما أمرا وجوديا مضادا لما في الآخر، فلا معنى لانصراف المطلق إلى أحدهما خاصة، لعدم انطباقه حينئذ على أحدهما بتمام قيوده المعتبرة فيه حتى ينصرف إليه كذلك.
وكيف كان، فالمتبادر من تلك الأفعال عند إطلاقها وتجريدها عن كافة القرائن هو ما ذكرنا واما إذا قيدت بما لا يمكن معه إرادة الزمان بملاحظة حال النطق كقولنا جاء زيد وهو يتكلم أو سيجيء عمرو وقد أكرمك فينقلب ظهورها في حال النطق إلى الظهور في حال آخر غيره كما يظهر من المثال الأول ان المراد بقوله يتكلم انما هو حال المجيء أو بقوله وقد أكرم الماضي بالنسبة إلى مجيء عمرو الذي لم يتحقق بعد وهذا الظهور انما هو مستند إلى القرينة وهو قوله جاء في الأول وقوله سيجيء في الثاني.
هذا، لكن هذا النزاع لا أرى له من ثمرة، فان ظهورها في الزمان الملحوظ بلحاظ حال النطق عند تجردها مسلم على القولين إلا أنا ندعي استناده إلى وضع اللفظ وهم يدعون استناده إلى القرينة، وكذا ظهورها في غير حال النطق مع التقيد كما في المثالين إلا أنا نقول: إن القيد المذكور من قبيل قرينة المجاز وهو يقولون: إنه من قرينة تعيين الفرد للمعنى الحقيقي الأعم.
السابع: لا خلاف في المقام من جهة اعتبار قيام المبدأ بمعناه الحقيقي بالذوات، أو كفاية قيامه به، ولو بمعناه المجازي، وعلى فرضه، فهو كسابقه ليس مقصورا ومختصا بالاسم المشتق، بل جار في مطلق المشتقات، بحيث يدخل فيه الأفعال.
وحاصله: أنه هل يكفي في صحة الاشتقاق اشتمال المشتق على مبدئه بمطلق معناه ولو مجازيا؟ ليكون هذا المقدار من المناسبة بين الأصل والفرع مصححا للاشتقاق أو يعتبر اشتماله عليه بمعناه الحقيقي فقط، فلو أريد غيره لم يصح.
وكيف كان، فالكلام في المقام بعد الفراغ عنه وعن سابقه أو بعد الغض عنهما، فانا نتكلم في أن مفاد هيئة المشتق المتنازع فيه ما ذا من حيث حصول التلبس