ويؤكد هذا الرأي ما أشار إليه المرحوم السيد محسن الأمين العاملي في ثنايا ترجمة الميرزا الشيرازي، إذ يقول:
(ومع ما بذله المترجم من الجهود في عمران سامراء، ودفع المشقات عن الزوار، والإحسان إلى أهل سامراء الأصليين، وما أسداه من البر إليهم، وما أدر عليهم عمرانها، وكثرة تردد الناس إليها من الرزق، لم يتم له ما أراده، وعادت البلدة بعد وفاته إلى سيرتها الأولى.
بل في أواخر أيام وجوده كثر التعدي حتى وصل إليه، وكان ذلك بتحريك ممن لهم الحكم، ومن يمت إليهم، إذ تيقنوا أنها ستنقلب عن حالها إلى حال أخرى، فهيج ذلك من نفوسهم، فوقعت عدة تعديات على الطلاب والمجاورين، وعليه، والحاكمون يظهرون المدافعة في الظاهر، ويشجعون في الباطن، فوقع لأجل ذلك اضطراب شديد، وفتن وتعد على النفوس والأموال وغيرها، وسافر لأجل ذلك إلى سامراء فقهاء النجف وعلماؤها وطلبوا إليه الخروج منها فأبى، ولم تطل المدة حتى مرض وتوفي هناك) ().
من هذا النص يتضح هدف السيد الشيرازي من انتقاله إلى سامراء، وكان يحسب أن المحاولة الإنسانية قد تغير في طباع من جبلت نفسه على الإيذاء والشغب وإثارة النعرات الطائفية وعلى كل حال فإن عمله الإنساني هذا أكد على واقع الإنسان المسلم المسؤول، الذي يدفعه همه الاجتماعي أن يفعل في سبيل وحدة الأمة مهما أمكن، ولكن تقدير النتائج لم تكن من صنعه، فللظروف أحكامها، وللنفوس نوازعها، والأمراض الدفينة لا يمكن برؤها بسهولة، وتبقى كامنة لا تكتشف إلا بمجاهر حساسة، وكما يقول المثل (تحت الرماد نار مخبية، ان هيجتها توهجت وحرقت) وللأسف أن هذه النزعة الهدامة لم تمت بمرور الزمن، بل بالعكس - كما نراها - تستعر حقدا، وتشب ضراما.