الحسي إلى المعنوي، الذي هو الدين، وهو لا يكون طريقا إلا بعد وصوله إلى العباد، فنحن مستريحون عن المناقشات طردا، لصحة إطلاق الشارع على الله تعالى وعلى النبي صلى الله عليه وآله حقيقة، وذلك لأن معنى الشرع حينئذ هو الحكم المجعول البالغ إلى العباد، فله جزء ان الجعل، والبلوغ، والأول من فعل الله سبحانه، والثاني من فعل النبي صلى الله عليه وآله، فيصح نسبة هذا المركب إلى كل واحد من موجدي جزئيه.
لا يقال: إن الأفعال مستندة إلى الجزء الأخير من العلة كما في الإحراق. فإنه لا يقال الجامع الحطب أنه محرق بل يطلق على ملقي النار خاصة وهكذا فيما نحن فيه فلا بد ان يطلق الشارع على النبي خاصة.
لأنا نقول: هذا في الأفعال التوليدية، وأما في المركبات فالحق ما ذكرنا، كما في بناء الدار، إذا بناها بناءان، فإنه يطلق على كل واحد منهما أنه بناها وما نحن فيه منها.
ثم إن المحكي عن المعتزلة تقسيم الموضوعات الشرعية على وجوه أربعة: لأنها إما أن يعرف أهل اللغة لفظها ومعناها، أولا يعرفون شيئا منهما، أو يعرفون اللفظ دون المعنى، أو بالعكس، وخصصوا الثلاثة الأخيرة باسم الدينية، فيكون أخص مطلقا من الشرعية بالمعنى المعروف، وهو الأعم الشامل الجميع الأقسام الأربعة.
وربما قيل باختصاص الشرعية بالقسم الأول من الأربعة خاصة، فتكون مباينة للدينية، لكن الاختصاص ممنوع، بل هو إطلاق آخر للشرعية.
هذا لكن في التقسيم المذكور ما لا يخفى:
أولا: إذ لا وجود لقسمين من الأقسام الأربعة ضرورة أنه ليس في الألفاظ الشرعية لفظ مخترع لا يعرفه أهل اللغة، كما اعترف به الجماعة، فلا يوجد من أقسام الدينية قسمان.
ثانيا: إذ من المعلوم أن جل المعاني الشرعية أو كلها أمور مستحدثة من الشارع، لا يعرفها أهل اللغة، فحينئذ لا يكاد يتحقق مصداق للحقيقة الشرعية، غير ما فرض حقيقة دينية، فيتحد مصداقا الحقيقتين في الخارج وحينئذ فلا وجه لجعل النزاع في الحقيقة الدينية مغايرا للنزاع في الشرعية، كما وقع في المختصر، على ما حكي عنه وغيره، حيث أسند القول بثبوت الدينية إلى المعتزلة بعد اختياره القول بثبوت الشرعية.
وقد يوجه ذلك، بأن كثيرا من تلك المعاني أمور معروفة قبل هذه الشريعة،