وأما الثالث: فمثل له دام عمره بقوله (أحياني اكتحالي بطلعتك) حيث إن نسبة الإحياء إلى الاكتحال بالطلعة أي الرؤية نسبة إلى غير ما هو له، وإنه مجاز في الكلمة أيضا، حيث إنه الإحياء بمعنى السرور يعني سرني رؤيتي وجهك.
أقول: لا يخفى أنه لا يجمع المجازية من جهتين في كلمة واحدة في المثال المذكور، لأنه إذا كان الإحياء بمعنى السرور فنسبته إلى الرؤية حقيقة قطعا، فهو مجاز في المفرد فقط، وإن كان مستعملا في معناه الحقيقي، فهو مجاز في النسبة فقط، فأين هذا من كونه مجازا من جهتين، وكيف كان، فالتمثيل ليس بمهم.
التقسيم الثالث، أعني سبب المجازية:
فينقسم بهذا الاعتبار إلى المجاز بالحذف، وإلى المجاز بالزيادة، وإلى المجاز بالنقل، فإن سبب المجازية، إما الحذف، كما في الإضمار، مثاله قوله تعالى (اسأل القرية) () حيث إن مجازيته من إسناد الشيء إلى غير من هو له، بسبب حذف الأهل، وأما الزيادة كقوله تعالى (ليس كمثله شيء) () حيث إنه مجاز بسبب زيادة الكاف حيث انها غير محتاج إليها، إذ ليس الغرض التشبيه بمثل مثله، بل الغرض نفي المثل.
وأما المجاز بالنقل، فهو كل كلمة مستعملة في خلاف ما وضعت له، ووجه تسميته بذلك أن استعمال الكلمة في خلاف ما وضعت له نوع نقل لها عن محلها إلى غيره، فكان المعنى الأصلي هو محل للكلمة الموضوعة له، فاستعمالها في غيره نقل لها عن محلها إلى غيره.
ثم إنه قد يستشكل في هذا التقسيم بعدم كونه حاصرا، حيث إن استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي معا، وكذا استعمال المشترك في أزيد من معنى، وكذا التضمين كلها مجازات على المشهور، مع أن مجازيتها ليست بأحد الأسباب المذكورة.
لكنه مدفوع بأنها داخلة في القسم الأخير لوجهين:
أحدهما أن اللفظ في الأمثلة المذكورة، وإن لم ينقل عن ذات المعنى الأصلي إلى غيره، بل مستعمل فيه، ولو مع استعماله في غيره أيضا، إلا أنه منقول عن الموضوع له بوصف كونه موضوعا له، حيث إنه لم يكن ذات المعنى الأصلي لا بشرط، بل هي مع