ففيه أولا: أن الملازمة في المقام ممنوعة، إذ بعد تحقق علقة الوضع، فإذا أطلق اللفظ فلا ريب أن الذهن لا يلتفت إلى سببها، بل إنما يلتفت إليه وحده، فيحصل بسببه الانتقال إلى المعنى المنقول إليه.
وثانيا: على تسليم الملازمة بين الالتفات إلى العلقة الوضعية وبين الالتفات إلى سببها، فلا ريب أن هذه لا تختص ببعض المنقولات، بل جميعها كذلك، بل وجميع الأوضاع الابتدائية كذلك أيضا، لما هو محقق في محله من أن مجرد الوضع لا يكفي في حصول العلقة بين اللفظ والمعنى بحيث يتبادر منه ذلك المعنى، بل لا بد من استعمالات للفظ في هذا المعنى، ليحصل الاستئناس بينهما عند السامع. هذا فيما ذكره في وجه التضعيف.
وأما الثاني: أعني الجواب الذي اختاره، وعدل إليه، فلا ريب أنه راجع إلى ما ذكره القمي قدس سره إلا أنه بعبارة أخرى، فإن مقصوده أيضا هذا المعنى، إذ ليس غرضه استناد التبادر في المجاز المشهور إلى مجرد الشهرة مع قطع النظر عن ملاحظة النكات المجازية، بل غرضه أن التبادر ثمة مستند إلى قرينة المجاز، وهو الشهرة بما يلزمها من ملاحظة العلاقة، والاعتبارات البديعية.
هذا مع أن دعوى اعتبار النكات المجازية في المجاز المشهور ممنوعة، فإن أظهر أمثلته استعمال الأمر في الندب، ونحن لم نجد موردا من موارد استعماله فيه يلاحظ فيه شيء مما ذكر، فافهم.
ثم إن هاهنا إشكالا آخر على التبادر بأن انصراف المطلقات إلى أفرادها الشائعة، نظير الإشكال بالمجاز المشهور.
بيانه: أنه لا يخفى أن المطلقات المنصرفة إلى الأفراد الشائعة ليست موضوعة لها، بل باقية على وضعها للطبيعة الكلية، ومع ذلك تتبادر منها تلك الأفراد.
والجواب عنه نظير ما مر ثمة، توضيحه أن في المطلقات التي لها أفراد شائعة أقوالا ثلاثة:
الأول: أن المطلق ظاهر في إرادة الأفراد الشائعة، ويتبادر منه هذه.
الثاني: أن المطلق ظاهر في الطبيعة، إلا أن انفهام كون الأفراد الشائعة مرادة بقرينة الغلبة بمعنى أن الغلبة دالة عليها.
وبعبارة أخرى أن انصراف المطلقات إلى الأفراد الشائعة من باب دالين