نبوتهم، لما فيه:
أولا: من أن هذا تعبير عن غلبة الموضوع بغلبة الحكم، فلا يثبت به الموضوع.
وثانيا: من أنه إن كان المراد بالغلبة المذكورة غلبة انقطاع الأنبياء السالفين، فلا ينفع، لأن نبينا محمدا صلى الله عليه وآله من المتأخرين، وإن كان المراد بها غلبة انقطاع نبوة المتأخرين منهم، فهو ممنوع.
هذا، فإذا عرفت معنى غلبة الحكم وغلبة الموضوع وأن الأولى لا تجدي فيما إذا كان الشك ناشئا من اشتباه الموضوع، فانطباقه على ما نحن فيه أن السيد قد ادعى غلبة استعمال اللفظ في معناه الحقيقي، ولا يخفى أنه غلبة الحكم، والموضوع هو الموضوع له اللفظ، فهو استدلال بغلبة الحكم على إحراز الموضوع، وقد عرفت ما فيه.
أقول: الإنصاف عدم انطباق ما ذكرنا على ما نحن فيه، لأن حكم الموضوع له ليس استعمال اللفظ فيه، بل ذلك شرط في اتصافه بالحقيقة، فالذي ذكره السيد من غلبة استعمال اللفظ في الموضوع له، عبارة أخرى عن أن الغالب في المعاني المستعمل فيها اللفظ كونها معاني حقيقية، ولا ريب أنه غلبة موضوعية، فيثبت بها أن مورد الشك منها، فيلزم منها بينا ثبوت الوضع لمورد الشك أيضا، للملازمة بين حقيقة المعنى وبين كونه موضوعا له، بمعنى أن الثاني لازم للأول، لأن الأول أخص دون العكس، لأن الثاني أعم، وفيما نحن فيه لما ثبت الأول بحكم الغلبة لزمه الثاني، وهو المدعى.
نعم حكم الحقيقة أن يحمل عليها اللفظ عند التجرد عن القرينة الصارفة، كما أن حكم المجاز عدم حمله عليه حينئذ، ولا يعقل دعوى الغلبة فيه، وهو قدس سره لم يدع ذاك، ولم يستدل به على مدعاه حتى يقال: إنه استدلال بغلبة الحكم في تعيين الموضوع.
وكيف كان فالأولى الاعراض عن هذا الجواب، والاكتفاء بالجوابين الأولين.
ثم على تسليم الغلبة المذكورة نطالبه قدس سره بدليل اعتبارها، فإنا وإن سلمنا حجية الغلبة في بعض الموارد ببناء العقلاء، لكنه لا يلزم منه حجية مطلق الغلبة لما مر من أن بناءهم أمر لبي، مجمل الجهة، فلا بد من الاقتصار على المورد الخاص، الذي ثبت بناؤهم فيه من غير تعد إلى غيره.
اللهم إلا أن يدعى حجيته مطلقا من باب حجية مطلق الظن في اللغات، وقد عرفت أنه خلاف الإجماع ظاهرا.