والثاني: عكسه، وهو أنه يتبادر المعنى الحقيقي أيضا، فإنه وان كان مرجوحا في النظر ابتداء إلا أن بملاحظة أصالة الحقيقة يتبادر ويظهر كونه هو المراد، فيحمل اللفظ عليه.
والثالث: التوقف والحكم بإجمال اللفظ كما هو المشهور، فحينئذ لا ريب أن النقض به إنما يتوجه على القول الأول، دون الأخيرين، لعدم تبادر المعنى المجازي حتى يرد النقض به. فنقول حينئذ: إن الجواب على القول الأول أيضا وفاقا للمحقق القمي قدس سره، أن التبادر هنا ناشئ من الغلبة، لا من جوهر اللفظ بحيث لو قطع النظر عنها لا يتبادر المجاز أصلا ().
ثم إن صاحب الفصول قدس سره ضعف ما ذكره المحقق القمي قدس سره من الجواب المذكور، بأن التبادر في المنقول أيضا قد يستند إلى ملاحظة الشهرة وعدل إلى جواب آخر ().
وحاصله: أن التبادر الذي هو علامة للوضع هو التبادر الابتدائي الذي لم يلاحظ المتكلم في استعمال اللفظ المحصل له الآثار البديعية المقصودة من المجاز، والتبادر في المجاز المشهور ليس كذلك، لأنه من حيث كونه متفرعا على معنى آخر ملحوظا فيه الآثار البديعية كالبلاغة، والمبالغة، وغيرهما، مما يبنى على ملاحظة المعنى الحقيقي ولو إجمالا.
وفي كل من وجه التضعيف، والجواب الذي اختاره نظر:
أما الأول: فلأنه إن كان المراد بالشهرة هو نفسها، فيرد عليه أنه مع وجود الوضع، وتحققه في المنقول كيف يتصور الاحتياج إلى ملاحظة الشهرة، فإن العلم بالوضع بنفسه علة تامة لتبادر المعنى، ولا يكون معه لشيء آخر مدخلية لا شرطا ولا شطرا.
وإن كان المراد بالشهرة هي الاستعمالات المؤدية إلى النقل التي هي سبب الوضع، نظرا إلى أن الانتقال إلى المعلول الذي هو الوضع، يستلزم الانتقال إلى العلة التي هي تلك الاستعمالات.