العقلية، كما في المقامين المذكورين.
وفي كل منهما نظر: أما الأول فلأن المعتبر - في اعتبار التبادر - إنما هو حصوله من جوهر اللفظ، ولم يعتبر فيه أحد أزيد من ذلك، فحينئذ لا فرق بين اللوازم البينة وغيرها، لتبادر كل منهما من اللفظ.
نعم الذهن أسرع انتقالا بالنسبة إلى الأولى، لكن الاعتبار ليس منوطا بسرعة الانتقال، بل منوطا بمجرد نفس الانتقال.
وأما الثاني: فلأنه إن كان المراد باللوازم الوضعية ظاهرها، وهو أن يجعل الواضع الملازمة بين الموضوع له، وبين تلك اللوازم، فلا ريب أنه لا يعقل ذلك، فإن الملازمة بين شيئين من الأمور الواقعية الناشئة عن اقتضاء ذاتيهما لا من الأمور القابلة للجعل.
وما ترى من تقسيم بعضهم الملازمة إلى العقلي والشرعي، فإنما هو من باب المسامحة، فإن المراد بالملازمة الشرعية إنما هو طلب الشارع هذا اللازم عند ذلك الملزوم، لا جعل الملازمة وإيجادها بينهما.
والحاصل: أن الملازمة لا تقبل الجعل مطلقا لا شرعا، ولا بالنسبة إلى غيره، بل هي عقلية مطلقا ناشئة عن اقتضاء الملزوم للازم بذاته، والعقل إذا أدرك ذلك الاقتضاء يحكم بالملازمة.
وإن كان المراد أن الواضع جعلها منضمة إلى ملزوماتها عند الوضع، فهذا يرجع إلى كونها مداليل تضمنية، لا التزامية، فإن المعنى المطابقي - هو المركب منهما - حينئذ.
هذا، والتحقيق في الجواب: أن إعمال التبادر كأعمال سائر علائم الوضع انما [يكون] إذا كان الاشتباه في المعنى المطابقي، إما من حيث ذاته، وإما من حيث حدوده وكيفياته، كما في مسألة الأمر، ومسألة مفهوم الشرط، وأما إذا كان الاشتباه في نفس الملازمة، بعد إحراز المعنى المطابقي بذاته وحدوده، فلا يجوز إعمال التبادر، بل لا بد من الرجوع إلى البراهين العقلية، ولا ريب أن مسألة وجوب المقدمة، والنهي عن الضد من المقام الثاني، فإنهم - بعد الفراغ عن إثبات مدلول الأمر بذاته وحدوده، من أنه هو الإلزام الخاص الملزوم للمنع من الترك - تعرضوا للبحث عن ثبوت الملازمة بين هذا المعنى وبين وجوب المقدمة، أو النهى عن الضد، فلذا لو تمسك أحد في هاتين المسألتين بالتبادر يعد سفها ومستهجنا.