الحجة تداعى الناس أن يكف بعضهم عن بعض إلى أن ينقضي المحرم، لعل الله أن يجري صلحا واجتماعا. فكف الناس بعضهم عن بعض). انتهى.
لكن قوله: (ذا الحجة كله) لا يعني أكثر من أن حرب الماء امتدت إلى نهايته.
* * كانت طريقة الحرب بأن يعبئوا الجيش بعد صلاة الفجر ويتقدموا إلى مواجهة بعضهم، فربما تقدم فارس يطلب المبارزة فيبرز اليه فارس من الطرف الآخر فيقف الناس يتفرجون عليهما، وربما حملت مجموعة على من يقابلها، وربما كانت الحرب زحفا من الجيش جله أو كله. لكن القتال كان ينتهي عند الغروب فيحجز بينهم الليل، ويدفنون قتلاهم، ويعود كل إلى معسكره.
وقد اشتدت الحرب في الأيام الثلاثة الأخيرة، كما ذكر ابن سعد في الطبقات: 3 / 261: (وكان القتال الشديد ثلاثة أيام ولياليهن، آخرهن ليلة الهرير).
وقال البلاذري في أنساب الأشراف ص 318: (وقال الواقدي في إسناده: كان القتال الشديد بصفين ثلاثة أيام ولياليهن، آخرهن ليلة الهرير). انتهى.
وسميت ليلة الهرير لكثرة أصوات المقاتلين وهمهمتهم وهرهم على بعضهم، وفيها استشهد عمار بن ياسر رحمه الله بيد الفئة الباغية كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله، واتصلت فيها الحرب طول الليل تقريبا، وفي صبيحتها رفع معاوية المصاحف، وكان على اتفاق في ذلك مع أحد قادة جيش علي عليه السلام وهو الأشعث بن قيس رئيس قبيلة كندة اليمانية الكبيرة، وصاحب النفوذ في عدد من قبائل اليمن!
قال في فتح الباري: 11 / 104: (وقتل بين الفريقين تلك الليلة عدة آلاف وأصبحوا وقد أشرف علي وأصحابه على النصر، فرفع معاوية وأصحابه المصاحف فكان ما كان من الاتفاق على التحكيم، وانصراف كل منهم إلى بلاده).